عاطف ابوسيف في مجموعته القصصية الأشياء عادية جدا ” كلمات تقول شيئا مختلفا ؛ شيئا لا يفارق الأمل ”
كتب /سليم النجار
هل يُختزل القاص في وثيقة سفر ؛ أو جنسية استحدثتها المدينة الحديثة
؛ أم أن الوطن هو أكبر من كل هذه الشكليات في داخل الإنسان ؛ وفي
داخل القاص النابض بالحساسية المفرطة . إنها أسئلة جديرة بأن تجيب
عليها المجموعة القصصية ” الأشياء عادية جدا ” القاص عاطف ابو سيف .
وكان سفر عاطف الأول مناسبة استثنائية أو منعطفا مهما في قصه ؛
ومناسبة لحوار ينحو البحث وراء ماهية الكثير من الثيمات التي شكلت
في مجملها كيانا قصصيا يختبر القلب ؛ ويقص تراتيل الوجع ؛ وكأن قص
عاطف وجد متعته في الأختلاء بالمتنبي ورفاقه من الشعراء القدماء .
كلماته تقول شيئا مختلفا ؛ شيئا لا يفارق الأمل … ” الأشياء عادية جداً”
تقص بالطريقة التي يكون فيها الالهام البصري ممكنا في غياب مصادره .
ما الذي يحدث حين يغلق القاص باب قصه أو باب حياته ؟ ؛ وتبقى في
العين أشياء نائمة كثيرة . العين خزانة ؛ كما قصها عاصف في قصته ”
الأغنية ” ؛ ( والأغنية المتناثرة على أنقاض الظلام صورةٌ تفيق من عهدٍ
؛ تثير أنين النسيم في ثنايا الروح ص٧ ) . ولكن لا ارى في الوصف ما يُنجد
دائما . يمكن للوصف أن يخون ايضا . هناك ما يختفي ؛ لا لأننا نعجز عن
وصفه ؛ بل لأنه عصي على الوصف أو لأنه لم يخُلق لكي يوصف ؛ كما
عاطف في قصته ” الإطار ” ؛ ( وأنك تدركين الغبن الذي لحق بك من
سخافة التغير الذي أحدثت في شخصيتي ص١٣) . أعرف ان القصاصين
يكرهون الشكل الكامل ؛ فهو بالنسبة لهم شكل أبله ؛ مُقيد لا يجلب تأمله
إلا العته البصري . تسأل قصة ” الأشياء عادية جداً ” ؛ هل هناك شكل
كامل ؟ ليس أمام القاص سوى الفضاء المفتوح الذي هو من اختراع ألهي
؛ ( العصفور يطير في السماء . السماء زرقاء . كل شيء عادي جداً .
الفتية الثلاثة يحملون حقائبهم في الزقاق . الزقاق لا يخلو من النسوة
الذاهبات إلى عيادة وكالة الغوث ( الصحية ) . ثمة صوت لأغنية حزينة .
والملصق على الجدار . المخيم يستقبل نهاراً جديداً ص٧٣) . هنا يسخر
القاص عاطف من الزمن ؛ لأن الأحداث ؛ أحداث القصة تقع خارج الزمن .
للقدر طبول لا يسمع دقاتها إلا العاكفون على يأسهم . اشتغل عاطف
بأناقة وحرفة داخل القص ؛ محيط تلك الدائرة صنع حدودا لفتنة الفضاء
الذي اخترعه القاص في قصته ” الخطوة ” ؛ ( بين الجدار والجدار عشر
خطوات ؛ علىَّ ان أقطعها قبل أن يعانق ظلام الزنزانة ليل الممرات
الطويلة لعلي أراها في قارب يبحر في الذاكرة / على هذه الورقة البيضاء
ص٦٣. ) الشهقة التي تسبق الزهرة تملأ الفضاء عطرا ؛ كما نقرأ ذلك في
قصة ” كرات البلياردو ” ؛ ( أخاف كهولتي وأخاف شبابي . أريد أكون بين
المسافة والمسافة . المسافة التي بيني وبينك جسر طويل نقطعة
بالأحلام والمثابرة . ذهبت بعيداً . ) يعرف القاص عينه أكثر مما يثق من
قلمه . تلك المعرفة تنتقل مثل عدوى الى القارئ . ولأن القلم لا يخترع
فريسته فان غزلانا كثيرة تصطاده العين ؛ بعيداً عن همس القلم ؛ الذي
يبقى جباناً ؛ في إلتقاط الصورة ؛ فتقوم عين القاص بالدور الراصد للصورة
؛ وهذا ما صورّه القاص في قصته ” العاشقة ” ؛ ( رمت بها بين أخواتها
وأغلقت الحقيبة . بعد لحظات أطفأت سيجارتها الأولى ثم أدارت جهاز
التسجيل . صوت كأنه الليل يأتي بهدوء من قاع البحر ص٣٣. ) على أية
حال لن يكون الماضي دعابة خفيفة . ستكون حياتنا معبأة به دائما. ولكن
قص عاطف ابوسيف شيئا مختلفا لايفارق الأمل . وبعد : فإن قصص
الأشياء عادية جداً محتشدة بأشكال شتى من تناقضات الحياة وقسوتها
وتلاعبها بالأحلام والطموح ؛ وهي بما تحمله من رؤى فكرية وقيم فنية
وما تشي به من صراعات إيديولوجية وسياسية نختبر آثارها إلى اليوم ؛
تعد بحق انعطافه حقيقية ونقلة نوعية في تجربة ابوسيف ورؤيته
الإبداعية ليس على مستوى المضمون فحسب ؛ بل على مستوى الرؤية
البصرية أيضا.