كتب / سيد اليمني
على مدار عقود مضت وأزمة الزيادة السكانية في مصر تمثل شبحا يهدد خطط التنمية، الأمر الذي أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال افتتاحه عددا من المشاريع الطبية في مصر مؤخرا.
وقال الرئيس المصري إن “النمو السكاني ما لم ينخفض إلى 400 ألف في السنة لن نشعر بما تقوم به الدولة.. الرقم المناسب لعدد سكان مصر الـ100 مليون نسمة هو 16 تريليون جنيه”.
وفتحت تلك الأرقام الباب نحو القضية التي تعمل مصر على حلها خلال العقود الماضية، ووضعت أهدافا واضحة ضمن الاستراتيجية القومية للسكان والتنمية، وهي وصول سكان مصر عام 2020 إلى 94 مليون نسمة، غير أن الرقم في الثالث من أكتوبر الماضي بلغ 101 مليون نسمة بزيادة 7 ملايين عما كان مخططا له.
وحول الجهود الحكومية المبذولة لمواجهة الزيادة السكانية الكبيرة، قال الدكتور حسام عباس رئيس قطاع السكان وتنظيم الأسرة بوزارة الصحة، إن الوزارة خاضت رحلة طويلة على مدار سنوات لتنظيم الأسرة، وكان الغرض هو السيطرة على معدل النمو السكاني المتضخم، منوها أنه تم تخصيص قرابة المليار جنيه لتوفير وسائل تنظيم الأسرة بالمجان للسيدات.
وتابع عباس قائلا، إن رحلة ضبط النمو السكاني لم تنته بعد، فهي ضمن خطة التنمية الموضوعة 2030، مشيرا إلى أن البرنامج القومي لضبط النمو السكاني يهدف بحلول عام 2022 إلى خفض عدد المواليد بمعدل 500 ألف طفل في العام.
وأكد رئيس قطاع السكان وتنظيم الأسرة بوزارة الصحة أن هناك 9.4 مليون سيدة مستهدفة ضمن برنامج ضبط النمو السكاني، وسيتم تقديم خدمات البرنامج من خلال 368 مستشفى.
وعن الخدمات التي سيتم تقديمها خلال الفترة المقبلة، أوضح عباس أنه سيكون هناك متابعة مع السيدات في عيادات صحة المرأة، ومراكز للمشروعات الصغيرة للسيدات غير العاملات لتوفير فرص عمل لهن، وتوفير وجود حضّانات للسيدات العاملات وأطفالهن، وتقديم خدمات التطعيمات وخدمات الرعاية الأولية، بالإضافة إلى توفير الجلسات التوعوية والتثقيفية.
وقدمت وزارة التضامن الاجتماعي عددا من المشروعات الهامة خلال السنوات الأخيرة، لضبط النمو السكاني، كان أبرزها برنامج وعي للتنمية المجتمعية والذي يهدف إلى تغيير السلوكيات المجتمعية السلبية المعوقة للتنمية البشرية والاقتصادية، من خلال إمداد المواطنين بالمعارف والمعلومات العلمية والقانونية والدينية الموثقة في 12 قضية مجتمعية أبرزها “التمكين الاقتصادي، وصحة الأم والطفل، والتربية الوالدية الإيجابية، والزيادة السكانية، وزواج الأطفال”.
وتوضح الدكتورة آمال زكي، مستشارة برنامج وعي للتنمية المجتمعية في وزارة التضامن الاجتماعي، لموقع “سكاي نيوز عربية” أن هناك خطة مشتركة بين عدد من الوزارات أبرزها وزارة التضامن والصحة والتخطيط والإعلام والأوقاف، منوهة بأن الخطة المشتركة ستقوم بضبط النمو السكاني في مصر بالشكل الأمثل.
وتابعت زكي قائلة إن الخطة “تم تغيير اسمها لـ(تنمية الأسرة المصرية) لأنها ستعمل على تمكين المرأة ورفعة شأنها وتدريبها بالشكل الأمثل وتقديم فرص عمل لها، بجانب رفع مستواها الاقتصادي لكي تشعر بقيمة وأهمية العمل والإنتاج والتعليم، وهو ما سيعود بالنفع على أسرتها”.
وأكدت المستشارة أنه في الفترة المقبلة ستقوم وزارة الصحة بتقديم خدمات تنظيم الأسرة لـ400 عيادة، بعد أن كانت 100 عيادة فقط.وبيّنت أن هناك 2200 رائدة و7000 مكلفة على مستوى الجمهورية سيقومون بزيارات للأسر على أرض الواقع، وتحويلهم لعيادات التضامن أو العيادات الصحية التابعة لوزارة الصحة، بجانب تقديم لهم التدريبات اللازمة طوال الوقت لكي يتمكنوا من أداء مهمتهم على أفضل وجه.
ويقول الدكتور طلعت عبد القوي عضو مجلس النواب ورئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، إن الأرقام الحالية الخاصة بالزيادة السكانية في مصر مرعبة، فكل 13 ثانية ونصف هناك مولود جديد، أي أنه في الدقيقة الواحدة يولد 5 مصريين جدد، فمعدل النمو السكاني في مصر في عام واحد يساوي نصف معدل مواليد قارة أوروبا بأكملها.
وتابع عبد القوي في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” قائلا إن الدولة تتحرك مؤخرا بقوة لصد النمو السكاني ويساندها الإعلام ورجال الدين وقوى المجتمع المدني، حيث أن القضية السكانية ليست قضية حكومية ولكنها مجتمعية.
ودعا رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية لضرورة العمل على محورين، أولهما خطة قصيرة الأمد تعتمد على توفير خدمات تنظيم الأسرة بالمجان، ونشر خطاب ديني مستنير، وتوفير الحوافز الإنجابية لاستخدام وسائل تنظيم الأسر، ومحور آخر يعتمد على خطة طويلة الأمد، يتم فيها معالجة الأسباب التي تدعو إلى ارتفاع معدل النمو السكاني، وتوفير حياة كريمة، وخفض الأمية وتطوير العشوائيات.
من جانبه يؤكد الحسين حسان، خبير التنمية المستدامة والتطوير الحضاري، أنه يجب وضع تشريعات خاصة بعدد السكان داخل كل شقة وبيت، بمعنى الشقة غرفتين وصالة تتكون من الزوج والزوجة وطفلين فقط، وما يزيد عن ذلك يحتاج لمساحة أكبر، بجانب الارتقاء بالخصائص السكانية لخفض معدلات الأمية وتحسين جودة التعليم والقضاء على عمالة الأطفال.
واشترط حسان في حديثه لـ”سكاي نيوز عربية” أن تكون مشاريع التخرج الخاصة بطلبة الجامعات مشروطة بمحو أمية شخص في أي قرية مصرية، وإعطاء حوافز وامتيازات للأسر الأقل إنجابا، وإعادة توزيع السكان من خلال إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة والقضاء على العشوائيات.
وتابع خبير التنمية المستدامة، موضحا أنه لابد من ربط خريطة التنمية بخريطة الفقر في مصر من أجل الوصول إلى توزيع للمشروعات يكون متحيزا لمحدودي الدخل وإعطاء أولوية للمحافظات وللمناطق الفقيرة عند توزيع مشروعات البنية الأساسية التي يمكن أن ترفع معدلات التشغيل بما في ذلك تشغيل المرأة.
وكانت وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد قد أعلنت، خلال افتتاح السيسي عددا من المشروعات أن عدد السكان في مصر يزداد بشكل كبير وبوتيرة سريعة، مؤكدة أن “عدد السكان في مصر عام 1950 حوالي 20 مليون مواطن، وزدنا 20 مليونا أخرى في 28 سنة، وزدنا 20 ثالثة في 21 سنة، وزدنا 20 رابعة في 14 سنة، وزدنا 20 خامسة في 8 سنوات، وهذا يعني أن هناك زيادة مطردة وسريعة في معدلات النمو السكاني”.
– وأوضحت السعيد أن أهم الإنجازات التي تم تحقيقها على البعد الاقتصادي والاجتماعي، تمثلت في خفض معدلات البطالة، وتحسن مؤشرات التنافسية، ومؤشر جودة الطريق، وخفض عدد الإصابات بأمراض التهاب الكبد الوبائي لكل مئة ألف من السكان نتيجة للمبادرات الصحية.
– واسترسلت قائلة : “مصر مازالت محتفظة بقدر عال جدا من التوازنات، سواءً كان في مؤشر معدل النمو الاقتصادي، أو في انخفاض معدلات التضخم وهو مؤشر مهم جدا، وانخفاض مستوى البطالة، في حين أن هناك كثيرا من الدول الآن تحقق معدلات نمو سالبة سواءً بمعدلات تضخم مرتفعة أو معدلات بطالة مرتفعة”.
– وعلى المستوى الاقتصادي، يوضح الخبير الاقتصادي ونائب الرئيس التنفيذي بمركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، علي الإدريسي، أن الكثافة السكانية الضخمة تضغط بشدة على موارد الدولة في حربها لتحسين معيشة المواطنين ومحاربة البطالة والفقر، منوها أن النمو الاقتصادي يجب أن يزيد عن معدل النمو السكاني بثلاثة أضعاف، وهو ما يستحيل حدوثه في الوقت الراهن.
ويرى الإدريسي أنه للخروج من الأزمة، يجب أن تكون هناك حزمة من المحاور التي لابد وأن تنتهجها الدولة من حيث الوعي وتوفير الوسائل الخاصة بتنظيم الأسرة وفرض قوانين وتشريعات قاسية على المخالفين، وعدم مساواة الجميع من حيث الحصول على الدعم.
وأفاد نائب الرئيس التنفيذي بمركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية بأن الاقتصاد المصري يتكبد خسائر كبيرة نتيجة الزيادة السكانية، ولكي يشعر المواطن بتحسن فلا بدّ أن ينخفض عدد المواليد لسنوات مقبلة، مؤكدا أن مصر تحتاج سنويا لمليون فرصة عمل لكي يكون هناك ثبات بين معدل النمو الاقتصادي والنمو السكاني.
وبينما يؤكد مقرر المجلس القومي للسكان السابق، عمرو حسن، أنه رغم تتابع السنوات والدراسات والاستراتيجيات، فإنه لحل “قضية مصر المعاصرة” لابد من زيادة الإنتاج عن طريق استصلاح الأراضي والتصنيع، بالإضافة إلى الارتقاء بالتعليم.
وأوضح حسن أن الفقر إذا كان نتيجة لزيادة عدد السكان فإنه سبب أيضا، “ونحن الآن أمام خيارين إما تنظيم الإنجاب أو زيادة الفقر والجوع والأمية، فمصر لديها فائض ضخم من السكان يزيد على إمكانيات البلد الراهنة، فالمجتمع المصري يتناسل بصورة مذهلة تحرمه من أن يتمتع بمستوى معيشة المجتمعات العصرية”.
حلول الأزمة يراها حسن، حسب حديثه مع سكاي نيوز عربية، تتوقف على 4 عوامل، وهي “قوة واستقلال واستقرار الإطار المؤسسي المعني بملف السكان، والإرادة السياسية، وسياسة سكانية شاملة بأهداف كمية محددة، وتوفير الموارد المالية اللازمة لتقديم خدمات تنظيم الأسرة سواء تقديم الخدمة من خلال العيادات الثابتة والمتحركة أو تدشين حملات التوعية”.
واختتم مقرر المجلس القومي للسكان السابق حديثه قائلا: “إذا كان جيلنا قد ورث مشكلة الزيادة الكبيرة في عدد السكان من الأجيال السابقة، فعلينا أن نحسم هذه المشكلة ونُغلق هذا الملف نهائيا حتى لا نظلم الأجيال القادمة إذا ما تركنا لهم المشكلة مضاعفة”.
إذا كانت قراءة السطور السابقة قد تستغرق 5 دقائق، فمعنى ذلك أن مصر قد استقبلت 25 مولودا جديدا، غير أن الحكومة وفقا للخطة الجديدة تعمل على خفض المعدل لـ30 طفل في الدقيقة الواحدة، -وفقا لتأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بـ400 ألف طفل جديد في العام الواحد
زر الذهاب إلى الأعلى