ضعف الإيمان في قلوب الناس
بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
إذا تكلمنا عن الغل فسيكون الكلام عن القلب لأن القلب هو محل نظر الله من عبده ، فاحرصوا شديدًا على تنقية قلوبكم من الحقد والغِلّ، وجاهدوا أنفسكم على إزالة الضغائن والشحناء، وأبعدوا عن أنفسكم الحسد وأخرجوه، فهي أمراض تُضعف إيمان القلب وصحته، وتُورث الأوزار والهموم، وتَجُرّ إلى ذنوب كبائر، وتُتلف الأعصاب، وتجلب الضيق والكدر والأرق، وتزيد من الغضب ، ويوم البعث والجزاء، يوم يُبعثر ما في القبور، ويُحصَّل ما في الصدور، فالقلب الذي زكَّاه صاحبه حتى أصبح سليمًا هو النافع حينها، لقول الله سبحانه: ” يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ” ..
ولكن ما هو القلب السليم؟ هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد، والشح الكبر وحب الدنيا والرياسة، فسلم من كل آفة تبعده عن الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبر الله، ومن كل شهوة تعارض أمر الله، وسلم من كل إرادة تزاحم مراد الله، وسلم من كل قاطع يقطع عن الله ، ولنعلم أن هذه الشريعة جاءت فيما جاءت به إصلاح ذات البين؛ لأجل أن تكون العلاقة بين المؤمنين على أحسن ما يمكن، وأمر الله تعالى بإصلاح ذات البين؛ لأجل حفظ سلامة الصدور .
وجاءت الشريعة بكل الأمور التي تكفل سلامة صدر المسلم لأخيه، كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم ” ، فكل هذه الإجراءات لسلامة؛ الصدور، وسلامة الصدر مطلب شرعي، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل؟ قال: ” كل مخموم القلب، صدوق اللسان ، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: ” هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد”
وإصلاح القلب جانب تشتد الحاجة إليه ويجدر التنبيه عليه في وقت انشغل أكثر الناس فيه بالظواهر واستهانوا بأمر البواطن مع أن الله تعالى لا ينظر إلى الأجساد والصور ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال وهذا الجانب هو سلامة الصدر أي طهارته من الغل والحقد والبغي والحسد ، فإن الإسلام قد حرص حرصا أكيدا على تأليف القلوب بين المسلمين وإشاعة المحبة
وإزالة العداوة والتشاحن لذلك امتنّ الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بأن أوجد له طائفة من المؤمنين متآلفة قلوبهم فقال سبحانه ( هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم إنّه عزيز حكيم ) .
والحديث عن سلامة القلوب من أيسر الأحاديث وأسهلها عند الكلام ؛ لكنه في الوقت ذاته من أشد الأمور وأصعبها عند التطبيق ولكنه يسير على من يسّره الله عليه إذ كلنا يعرف أن نجاة العبد يوم القيامة مرتبطة بسلامة قلبه ، ولنعلم جميعا أن أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس، والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ لا بكثرة الاجتهاد في الصوم والصلاة أرأيتم كيف شهد النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه بالجنة مع شهادة الرجل على نفسه أنه ليس كثير صلاة فما السر في ذلك؟
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوساً مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص .
فقال: إني لا حيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت فقال: نعم. قال أنس وكان عبدالله يحدّث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال، وكدت أن أحقر عمله قلت: يا عبدالله إني لم يكن بيني وبين أبي أيُّ غضبٍ ولا هجر ولكن سمعت رسول الله صلى لله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار : يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق.رواه أحمد
ولقد كثر اليوم في الناس الشحناء، وصارت الأحقاد في القلوب كثيرة، ولقد صرنا نجدُ تقطع العلاقات، وتجهم الوجوه، وحمل الناس في قلوب بعضهم على بعض، مع أن هذه الشريعة قد جاءت فيما جاءت به تصفية القلوب والنفوس، ومراعاة المشاعر ، فلنحذر من أسباب الغل والحقد، ويسعى المسلم إلى طهارة قلبه ونقاوته؛ لأنه محل نظر الرب، إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم.