تباين تأثيرات اقتصادية
وأكد خبراء أن أزمة كورونا تعد من أكبر التحديات التى تواجه العالم العربي، ولها تأثيرات كبيرة على كافة المستويات فى كافة الدول، لكن تتباين حسب طبيعة كل دولة.
وقال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور وليد جاب الله، وهو عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن الدول التى يعتمد اقتصادها على النفط هي الأكثر تضررا مع انخفاض أسعار البترول، كذلك الدول التى تعتمد على السياحة في ظل توقف حركة السياحة، بينما تعد الدول ذات الاقتصاد المتنوع الأقل تضررا.
وتابع أن “مصر من الدول ذات الاقتصاد المتنوع، وهي من أكثر دول الاقتصادات الناشئة قدرة على امتصاص الصدمة والتعافي السريع”.
وأردف أنه “إذا قمنا بتقييم الاقتصاد المصري حتى نهاية 2020، نجد أنه لم يصب بأى ارتباك بفضل إجراءات الحكومة الاستباقية، التي حددت الأضرار التى ستصيب الاقتصاد والفجوة التمويلية”.
واستطرد “أتصور أن أزمة كورونا لن تطول مع ظهور اللقاحات، وبداية وصول اللقاح الصيني إلى مصر، ذلك أن اللقاح سوف يحل المشكلة الاقتصادية على الأقل، ومع انتشاره سوف يفتح الباب أمام عودة السياحة”.
ومن جانبه، أكد الإعلامي والخبير السعودي ماجد على الجبرتي أن السعودية الأقل تأثرا بالمقارنة بدول الجوار والعالم المتقدم بسبب تقدم وتطور النظام الصحي، وصرامة وشدة الأنظمة الصحية التي اتخذتها المملكة في حماية المواطنين والمقيمين في المجتمع السعودي بشكل عام.
وأوضح ماجد الجبرتي “نحن مثل جميع دول العالم، حيث خلف كوفيد-19 تأثيرات قوية على الاقتصاد والتي خلفت بدورها تأثيرات اجتماعية.
لكن العراق كان أكثر تضررا لدرجة أن الحكومة أصبحت عاجزة عن تأمين رواتب الموظفين، بحسب الدكتور زياد الجبوري أستاذ الاقتصاد بجامعة بغداد.
وقال الجبوري لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن العراق نموذج للاقتصاد الهش باعتباره اقتصاد أحادي الجانب يعتمد على تصدير النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، لذلك تأثر بالأزمة.
وتابع أن “الاقتصاد العراقي مرهون بسوق النفط العالمية.. ونتيجة لانخفاض أسعار النفط بسبب أزمة كورونا التي تسببت في انخفاض الطلب العالمي على النفط، فقد تأثر الاقتصاد العراقي مباشرة وانخفضت إيراداته، بحيث أصبحت الحكومة العراقية عاجزة عن تأمين رواتب الموظفين، واضطرت إلى تشريع قانونين، الأول هو قانون تمويل العجز، والثاني هو الاقتراض الداخلي والخارجي”.
بينما شهد اليمن آثارا مضاعفة لأزمة كورونا، لتزامنها مع استمرار النزاع الدامي، وفقا للخبير الاقتصادي مصطفى نصر.
وقال نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، إن تأثيرات كورونا كانت سلبية على اليمن أكثر من باقي الدول المستقرة التي واجهت نفس الأزمة.
وأوضح أن أبرز تلك التأثيرات على الجانب الاقتصادي هو تراجع أسعار النفط الذي يعد مصدرا مهما للاقتصاد اليمني، وانخفاض تحويلات المغتربين بأكثر من 70 بالمائة.
ومن بين التداعيات أيضا تهاوي سعر صرف الريال اليمني جراء شح العملة الصعبة، حيث تجاوز سعر صرف الدولار الواحد حاجز الـ940 ريالا، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، حسب نصر.
وتشير تقديرات أممية إلى أن اليمن يعاني من “أسوء أزمة إنسانية في العالم”، وأن 80 بالمائة من سكان هذا البلد بحاجة للمساعدات العاجلة والحماية في ظل استمرار الحرب وتفاقمات كورونا، خاصة أن مرتبات كافة العاملين في القطاع العام والعسكري متوقفة.
وطالت الأزمة كذلك الاقتصاد الفلسطيني، حيث تأثرت إيرادات السلطة الفلسطينية سلبا وانخفض الناتج المحلي، وفقا للخبير الاقتصادي الفلسطيني نصر عبد الكريم.
وأوضح عبد الكريم أن التقديرات تشير لخسارة الاقتصاد الفلسطيني أكثر من 2.5 مليار دولار، وهو رقم كبير بالنسبة لبلد حجم اقتصاده لا يتعدى 15 مليار دولار، أي بنسبة 15 بالمائة.
وأضاف أن “معظم القطاعات تأثرت.. لاسيما قطاع السياحة الذي مازال متوقفا”، قبل أن يستدرك “لكن الأخطر هو أزمة المقاصة (الضرائب التي تجنيها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية)، التي استمرت ستة أشهر وحرمت فلسطين من نحو 4 مليارات شيقل (الدولاريساوي 3.30 شيقل)، وتأثرت قطاعات مختلفة مثل الموظفين والتجار وغيرهم”.
—تداعيات سياسية مختلفة
ورأى الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية، أن الوضع السياسي في مصر لم يتأثر بأزمة كورونا.
وأشار إلى أن الحكومة أجرت الاستحقاقات الانتخابية لمجلسي الشيوخ والنواب (البرلمان)، رغم قيام دول أخرى بتأجيل مثل هذه الاستحقاقات، مضيفا “مصر أصرت على استكمال الحياة السياسية رغم كورونا، وهذا نجاح كبير لنا”.
واعتبر أن “أداء الحكومة المصرية مناسب، فقد نجحت في التعاطي مع الأزمة بحكمة وعقلانية.. واعتقد أننا نقترب من انتهاء هذا الكابوس”.
في المقابل، أبطأت الأزمة من وتيرة الانتقال الديمقراطي في السودان فى ظل حكومة انتقالية تعاني من تعقيدات سياسية واقتصادية متراكمة، بحسب الدكتور عبد الخالق محجوب الأستاذ بمعهد الخرطوم للعلوم السياسية.
وأوضح محجوب، أن الإغلاق أثر على الحياة السياسية في السودان وتسبب في توقف الفعاليات والجولات السياسية التي تنظمها الأحزاب استعدادا للانتخابات المقررة بعد انتهاء الفترة الانتقالية التي ستستغرق أكثر من ثلاثة أعوام.
الأمر نفسه في العراق، فعندما فرضت السلطات الحظر الشامل في عموم البلاد توقفت معظم الأنشطة السياسية، وفقا للدكتور نجيب الجبوري أستاذ القانون العام في الجامعة العراقية.
وأضاف الجبوري، أن الخلافات بين الأحزاب السياسية ارتفعت وتيرتها خلال المرض، بينما أدت الأوضاع الاقتصادية المتردية لخروج تظاهرات في إقليم كردستان، للمطالبة بتوفير الرواتب، ما أدى إلى حدوث مشاكل سياسية بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية.
وأوضح أن الوضع السياسي في العراق غير مستقر نتيجة الأزمات التي خلفتها جائحة كورونا، التي قد تؤدي إلى عدم إجراء الانتخابات المقررة في 6 يونيو المقبل، وهو أمر قد يؤدي إلى تجدد الاحتجاجات.
ولم تختلف فلسطين كثيرا عن سابقاتها، وفقا للمحلل السياسي أحمد رفيق الذي قال إن الآثار السياسية للأزمة كبيرة على العلاقة بين الجمهور والسلطة الفلسطينية، وأظهرت كذلك هشاشة العلاقة بين الأخيرة وإسرائيل.
— تأثيرات اجتماعية مزدوجة
ورأى الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، أن أزمة كورونا لها تأثير سلبي وآخر إيجابي على المجتمع المصري.
ويتمثل الجانب السلبي للأزمة في زيادة الفقر خاصة في الشهور الأولى لها، حيث تأثرت دخول العمالة المؤقتة غير الرسمية وأصحاب المهن الحرفية والعاملين في السياحة، وفقا لصادق.
بينما تمثل الجانب الإيجابي في ترشيد إنفاق الأسر المصرية على الكثير من المظاهر الاجتماعية مثل حفلات الزفاف وغيرها.
وأشار صادق إلى أن الأزمة زادت من التضامن المجتمعي في مصر.
بينما أعاد مرض (كوفيد-19) تشكيل العلاقات الاجتماعية والشخصية بطرق غير مسبوقة في العراق، بحسب الدكتور مشحن التميمي أستاذ علم النفس الاجتماعي بالجامعة المستنصرية.
وقال التميمي إن “الإجراءات الصحية أرغمتنا على البقاء مع أفراد أسرنا والتواصل معهم على مدار الساعة، إلا أنها أيضا أرغمتنا على التباعد الاجتماعي عن محيطنا من الأصدقاء والأقارب لشهور طويلة”.
على النقيض في البحرين، قرب مرض (كوفيد-19) المواطنين من بعضهم بشكل أكبر، بعد أن تبين لهم تقارب المصير، حسبما قال الإعلامي البحريني مصعب الشيخ.
وذكر الشيخ، أن المراحل الأولى لانتشار مرض (كوفيد-19) شهدت لوم فئات من المجتمع لفئات أخرى، لكن بشكل تدريجي استوعب الجميع أهمية تحمل المسؤولية لتخطي الأزمة.
وأشار إلى دور الفريق المعني بإدارة ملف (كوفيد-19) في تعزيز روح الفريق الواحد، وهو ما انعكس على تآلف البحرينيين، ونوه بحملات الإعانة التي تنظم بشكل مستمر وتستهدف المحتاجين والمرضى.
أما في السعودية، فقد شجع مرض (كوفيد-19) المجتمع على الانفتاح على وسائل التكنولوجيا الحديثة لإنهاء العديد من العمليات التي كان يتم سابقا إنهاؤها بالطرق التقليدية، حسبما رأى الخبير السعودي ماجد الجبرتي.
وقال الجبرتي، إنه “رغم تأثر عمليات التواصل لمنع انتشار كورونا، لكن المجتمع السعودي أصبح أكثر قربا من المجتمعات الأخرى عن طريق وسائل الاتصال الحديثة”.
زر الذهاب إلى الأعلى