صاحب القلب الطيب يوم القيامه
صاحب القلب الطيب يوم القيامه
/ محمــــد الدكـــــروربقلمى
عندما نتكلم عن القلب فيجب أن نعلم أن سلامة الصدر، ونقاء السريرة وصفاء النفس من الأمور الدالة على الإيمان والطمأنينة واليقين ومن دوافع العمل الصالح، ومن موجبات الأجر والثواب وهي صفات تقرِّب صاحبها من الأعمال التي تفتح له أبواب الخير، وتورده مسالك الطريق إلى الجنة ، وإن الاهتمام بإصلاح قلوبنا أمر في غاية الأهمية، وإن إصلاح القلوب يترتب عليه صحة الأعمال، وصحة السيرة، وصحة التصرفات، والسلوكيات، وكثير من التناقضات إنما تحدث من المخالفة، من مخالفة الباطن للظاهر، والظاهر للباطن.
وينتاب القلب أمراض حسيه وأمراض معنوية والأمراض الحسيه تنتهي بالموت أما الأمراض المعنوية لا تنتهي بالموت بل مستمره مع الإنسان يوم القيامة ومن امراض القلوب الشرك والكفر والنفاق والشهوات والحسد والغل وغيرها من الأمراض التي تخالف الدين والحق لذلك لابد أن تهتم بهذا القلب لأنه موضع نظر الرب عز وجل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ” أن الله تعالي لا ينظر إلي صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم ) رواه مسلم .
وهناك من الناس من يدعي أن الإيمان في القلب لكن نجده يرتكب المعاصي ولا يـأتي إلي الصلوات في المساجد ويدعي أن قلبه سليم وهذا إدعاءً كاذب لان علامة صحة القلب أن يظهر علي ظاهرة وعلي جوارجه فعلامة صحة القلب أن تجده يطبق ما أمر الله عز وجل من صلوات في المساجد ويبتعد عن المحرمات فهذا علامة من علامات صحة القلب ودليل ذلك حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ” ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ” . روه البخاري ومسلم .
ولذلك إذا كان القلب سليماً فإن العين لا ترى إلا حلالاً والأذن لا يسمع إلا حلالاً واللسان لا يتكلم إلا في خيرا والأيدي لا تستعمل إلا في مباحاً والأرجل لا تمشي إلا في خيراً وأما إذا كان القلب فاسداً فإن العين غالباً تنظر إلي الحرام من نساء المسلمين وقنوات محرمه والأذن تسمع حراماً من غيبة ونميمة وغناء وغير ذلك واللسان تجده يتكلم غالباً فيما حٌرم الله عز وجل من غيبة ونميمة وسب وشتم ربما أوقعته في كبائر الذنوب والمعاصي .
وإن المعاصي تعرض على القلوب فعلي المسلم أن يرفضها بقلبه فيما يشاهد أو يسمع أشياء محرمه عليه وأن يكره هذا الأمر المحرم عند مشاهدته وإذا قبلها وأستمر في مشاهدة الكبائر فإن قلبه سوف يزيد سواداً ففي الحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم قال ” تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً فأي قلب أشر بها ” أي قلب قبلها تكتب فيه نكتة سوداء واي قلب انكرها نكتت فيه نكتت بيضاء حتي تعود القلوب علي قلبين ، قلب أسود كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب في هواه وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ” رواه مسلم .
وإن القلوب كلما كانت سليمه كان الإقبال على الأعمال أفضل فقد تجد شخصاً يصلي وهو مقبل بقلبه على الصلاة فهو لا يفكر في أمور الدنيا ولا يجد الشيطان طريقه إلي قلبه من شدة حرصه على صلاته وشخص آخر سارح في صلاته قد وسوس في قلبه الشيطان فلا يدري كم صلى وثبت في الحديث عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال : ” ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليها بقلبه ألا وجبت له الجنة ” رواه مسلم .
ولما كان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب، فكان القلب موضع نظر الرب، فقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ” فالقلب موضع نظر الرب، ومن هنا كان لا بد على العبد أن يشتغل بإصلاح قلبه فإن ربه إنما ينظر إلى قلبه، وإذا تساءلت يا أخي عن السبب الذي تفشت به الخيانة بين الناس في الأموال، والنكاح، وغير ذلك من الأمور، وإذا تساءلت عن السبب في حصول السرقات والاختلاسات، وإذا تساءلت عن السبب في حصول الهجران والقطيعة بين الناس، وإذا تساءلت عن سائر أسباب أمراض المجتمع فاعلم أن ذلك نتيجة لفساد القلب.
فالقلوب قد تكون سليمة، وقد تكون مريضة تصاب بالوهن، وهذا سبب آخر لتسلط الأعداء علينا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” بل أنتم يومئذ كثير كما في حديث القصعة ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من صدور أعدائكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت ” فإذن من فساد القلوب أن يقذف فيها الوهن، لما فسدت القلوب تسلط الأعداء.
ويجب أن نعلم أن الدين القائم بالقلب هو الأصل، وأن الأعمال الظاهرة هي الفروع، وأنه إذا لم تكن أعمال فإن ذلك دليل على خلو القلب من الإيمان، وأن الذين يقولون لك: إن المهم هو ما في القلب، يطالبون بالإثباتات والدلائل على أن ما في قلوبهم سليم وذلك بالأعمال، ولا بد من الأعمال، والأعمال مهمة مع تصحيح ما في القلب ، ولما وصف أحمد بن حنبل رحمه الله عبد الله بن المبارك قال: ما رفعه الله إلا بخبيئة كانت له، كان يخفي أعماله الصالحة، فرفع الله قدره، وكانوا في جميع الميادين من الحريصين على إخفاء الأعمال.
قال عبدة بن سليمان المروزي: كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو ودعا إلى المبارزة، فخرج إليه رجل من المسلمين قد تلثم فلا يعرف، فطارده ساعة فطعنه فقتله، ثم خرج من الكفار رجل آخر ودعا إلى المبارزة، فخرج له نفس الرجل من المسلمين، فطارده ساعة فطعنه فقتله، فازدحم المسلمون على ذلك الرجل يريدون معرفة شخصيته، وكنت فيمن ازدحم عليه، فإذا هو ملثم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه، فمددته فإذا هو عبد الله بن المبارك، فقال ابن المبارك لهذا الذي كشف وجهه: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا، قالها تواضعاً لله تعالى.