– رقية بنت الرسول
تبدأ القصة هناك في بيت محمد -صلى الله عليه وسلم –
وخديجة -رضي الله عنها- في بيت مُلأ بالسعادة والطمأنينة والهدوء والسكينة
نشأ في هذا البيت نشؤٌ طيب من خير بني الإنسان نسمات طيبات وزهرات من أجمل بستان
بنات النبي المُصطفى مُحمد -صلى الله عليه وسلم – زينب – ورقية – وأم كلثوم – وفاطمة الزهراء
ملأن البيت على خديجة -رضي الله عنها – بالفرحة والسرور يساعدنها في عمل البيت
ويلعبن مع بعضهن البعض وخديجة -رضي الله عنها- تُسر لسرورهن وتسعد لسعادتهن
وإذا تعاركن تُصلح بينهن كشأن بنات جيلهن في كل يوم تشاهدهن أمُهن
وهن يكبُرن يوماً بعد يوم وعام بعد عام حتى إكتملن وصرن كالبدر في كبد السماء
يُزينها ويُجملها ويُلين الدُنيا لساكنيها
صورة
جاءهم أبوهم محمد -صلى الله عليه وسلم -يوماً وهو يرتعد قائلاً زملوني زملوني
هدأت خديجة -رضى الله عنها – من روعه وذهبت به إلى ورقة بن نوفل فأخبره أنه نبي أخر الزمان
أبوهم المُتعبد في غار حراء صاحب الشريعة الغراء والملة السمحاء والحنيفة البيضاء
له المقام المحمود واللواء المعقود والحوض المورود وهو المذكور في التوراة والإنجيل
وصاحب الغرة والتحجيل والمؤيد بجبريل إمام النبين وقدوة الصالحين وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين
علم أن الله قد بعثه على فترة من المرسلين وإنقطاع من النبين فأنظر عشيرتك الأقربين
فآمنت به زوجه خديجة -رضي الله عنها – زوجه الحنون وآمن به أولاده الطيبون
صورة
قبل بعثته خُطبت رقية -رضي الله عنها- لإبن عمها عُتبة بن أبي لهب وخطبت أم كلثوم لأخيه عُتيبة إبن ابي لهب
فلما دعى النبي -صلى الله عليه وسلم – قومه إلى الإسلام كان من أبي لهب ماكان
صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصفا وجعل يُنادي على بطون قُريش يابني فِهر يابني عدي
حتى إجتمعوا حوله فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم – رأيتم لو أن خيلاً خلف هذا الوادي تُريد أن تَغير عليكم
أكُنتم مُصدقيّ؟
قالوا نعم ماجربنا عليك كذباً قط قال فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٌ شديد
فقال أبولهب تباً لك سائر اليوم يامُحمد ألهذا جمعتنا
صورة
فتولى الله -عزوجل – الدفاع عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- فكان
الله -عزوجل – هو أول من دافع عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-
فأنزل قوله -تعالى – {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}
ذهب أبو لهب في غيظ ورد على النبي -صلى الله عليه وسلم- إبنتيه فطُلقتا قبل الدُخول بهما
ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم مضى في طريقه يدعوا إلى ربه ليُخرج الناس من الظُلمات الى النور
فلتُطلق البنات وليقطعني ذوي القُربات الكُل يهون في سبيل رب الأرض والسماوات
إذا أبقت الدُنيا على المرء دينه فمافاته منها فليس بضائر
صورة
أمنت رُقية -رضى الله عنها- بأبيها ونبيها مُحمد -صلى الله عليه وسلم –
وجاء عُثمان بن عفان -رضى الله عنه- خاطباً لرقية -رضى الله عنها – بعد أن علم أن عُتبة بن أبي لهب قد طلقها
شاء الله لُرقية أن تُرزق برجلٌ حيي كريم هو أحد العشرة المُبشرين بالجنة وأحد السابقين الأولين إلى الإسلام
الحيي السخي عُثمان بن عفان -رضى الله عنه – صاحب النسب العريق والطلعة البهية والمال الموفور
وقد زُفت العروس إلى زوجها ودخل عُثمان بها وهو يعلم أن قُريش لن تُشاركه فرحته
وستغضب عليه أشد الغضب ولكن فليرضى عني الناس أو فليسخطوا رضاك يارب يكفيني
صورة
دخلت رُقية بيت الزوج العزيز وهي تُدرك أنها ستُشاركه دعوته وصبره وأن سُبلاً صعاباً
سوف تسلُكها معه دون شك إلى أن يتم النصر لنبيها وأبيها مُحمد -صلى الله عليه وسلم –
سعدت رقية بزواجها من التقي النقي عثمان وبعد عدة أشهر حملت رقية من عثمان
وفي أحشاءها جنين جده رسول الله -صلى الله عليه وسلم –
وأبوه عُثمان بن عفان وأمه رقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم
ياتُرى سيكون شبيهاً بعثمان أم شبيهاً برسول الله -صلى الله عليه وسلم – أم بأمه أم سيجمع أشباههم جميعاً
صورة
وبعد أن إشتد إيذاء المُشركين إلى المؤمنين
أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه بالهجرة إلى أرض الحبشة عند ملك عادل لايُظلم عنده أحد
فهاجر عُثمان -رضى الله عنه – وزوجه رقية -رضى الله عنها –
هاجرت المرأة المؤمنة مع زوجها وخلفت أرضها التي عليها تربت وتحت سماءها نمت وترعرعرت
صورة
قال النبي صلى الله عليه وسلم
إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه ، فقعد له بطريق الإسلام فقال : تسلم وتذر دينك ، ودين آبائك ،
وآباء أبيك ؟ فعصاه فأسلم . ثم قعد له بطريق الهجرة فقال : تهاجر وتدع أرضك وسماءك ،
وإنما مثل المهاجر ، كمثل الفرس في الطول ؟ ، فعصاه فهاجر . ثم قعد له بطريق الجهاد
فقال : تجاهد فهو جهد النفس والمال ، فتقاتل فتقتل ، فتنكح المرأة ، ويقسم المال ؟ فعصاه ، فجاهد .
فقال رسول الله : فمن فعل ذلك كان حقا على الله عز وجل ، أن يدخله الجنة ،
ومن قتل كان حقا على الله عز وجل ، أن يدخله الجنة ،
وإن غرق كان حقا على الله ، أن يدخله الجنة ، أو وقصته دابته ، كان حقا على الله ، أن يدخله الجنة
الراوي: سبرة بن الفاكه المخزومي الأسدي المحدث: الألباني – المصدر: صحيح النسائي – الصفحة أو الرقم: 3134
خلاصة حكم المحدث: صحيح
صورة
لم تلتفت رقية إلى وساوس الشيطان ومضت إلى ربها حال لسانها يقول (وعجلت إليك رب لترضى)
صبراً فإن بعد الضراء سراء وبعد الظلام ضياء وصلت إلى أرض الحبشة وظلت تدعوا الى الله
وتقص على المؤمنات أخبار أبيها وتحكي لهن عن حسن خلقه وتخبرهم بأنه كان قُرءاناً يمشي على الأرض
وأثرت شد الشوق والحنين إلى أبيها وأمها وأرضها وأخوتها عليها فأسقطت جنينها الأول
ولعل مما خفف عنها ألامها رعاية زوجها وعنايته بها
صورة
ظل المسلمون في أرض الحبشة يعبدون الله حتى ترامت إليهم أخبار تقول ان قريش قد أسلمت
فعادت رقية وزوجها إلى مكة
وحينما أصبح الصباح وتحدثت قريش بأن المسلمين قد عادوا إلى مكة صبوا عليهم العذاب صباً
وساقوهم ألوان العذاب وهاجروا ثانية إلى الحبشة
وخرجت رقية مع زوجها عثمان مُهاجرة إلى الله ورسوله
تاركةً البيت الذي فيه تربت وأمها التي في أحضانها كبرت ، تاركةً أخواتها ،
ولسان حالها يقول (وعجلت إليك ربي لترضى )
صورة
هاجرت الهجرتين وقال النبي -صلى الله عليه وسلم – في شأنها وفي شأن عثمان
إن أول من هاجر الى الله بأهله بعد نبي الله لوط عثمان بن عفان والأثــــر ضعيف
مرت أعوام على المسلين في الحبشة وحملت رقية بولد أخر ووضعته في ارض الحبشة
وسمته ” عبدالله ” وكنيت به
صورة
آذن الله الرسول بالهجرة الى المدينة فهاجر المسلمون تباعاً وتركوا أرض الأباء والأجداد
تركوا الدنيا كلها لله عزوجل فربح بيعهم وهنيئاً لهم .
عاد عُثمان وزوجه رقية ليهاجر إلى المدينة
وصل عثمان وزوجه إلى المدينة فلم تجد رقية أمها ” خديجة ” أين أمي؟ ،
أمك قد ماتت يارقية بعد الحصار في شعب أبي طالب
بعد ثلاث سنوات من الظلم والعذاب
صورة
النكبات على رأس رقية تتوالى : عذاب في مكة ، غُربة في الحبشة ، فقدان جنينها ، موت أمها ،
وهجرةٌ إلى يثرب أرض الوباء والأمراض .ولكن قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم –
:”أشد الناس بلاءاً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى المرء على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه”
صورة
جلست رقية مع أبيها ونبيها -صلى الله عليه وسلم – تتعلم منه أمر دينها وتتعبد لربها -عزوجل-
ينمو ولدها وحيدها أمام عينها يوماً بعد يوم ، تراه فتسعد وتلاعبه وتفرح لرؤيته وتهنئ.
حتى إكتمل له ست سنوات فنقره ديك في عينيه ؛ فمات ولدها
ورقية تنتقل من بلاء إلى بلاء وهي صابرة مُحتسبة
صورة
وإشتد عليها المرض بعد وفاة ولدها ومرَّضها عثمان بن عفان -زوجها-
وخرج أبوها محمد -صلى الله عليه وسلم – إلى بدر هو ومن معه من المسلمين
ليُقاتل في سبيل الله من كفر بالله عزوجل
صورة
فإشتد المرض على رقية يوماً بعد يوم
حتى فاضت روحها الى الله عزوجل ماتت رقية
دون أن ترى أباها عز اللقاء في الدنيا فعند الله تجتمع الأحبة
غُسلت وكُفنت وحمل الجُثمان الطاهر ، حمل على أعناق المؤمنين ودفن في التُراب.
صورة
آن لهذا الجسد أن يستريح ، أما آن لك أن تستريحي يارقية
آن لكِ أن تلتقي بأمكِ وولديكِ في جنان ونهر في مقعد صدق عند مليكٍ مُقتدر
السلام عليك يارقية ماعاد عيد وأخضر عود وولد مولود
والسلام عليكِ ماشرقت شمس وتكرر أمس والسلام عليكِ في الخالدين
آن لكِ أن تستريحي من عناء الدنيا ونصبها وتعبها ، آن لكِ أن تغتسلي في أنهار الجنة ،
آن لكِ أن تهنئي برضوان الله ورؤيته في جنات النعيم
السلام عليكِ في الخالدين والحمدلله رب العالمين
المصادر
سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي
نساء حول الرسول خالد محمد ثابت
الطبقات لإبن سعد
سيرة الرسول لإبن إسحاق
زر الذهاب إلى الأعلى