كتب : سيد يمني
بعد صمودها لأكثر من ألفي عام، عادت تحذيرات غرق مدينة الإسكندرية من جديد في عام 2050 بسبب ظاهرة التغير المناخي، التي تعد سببًا رئيسيا في ارتفاع مستوى سطح البحر؛ الناتج الاحتباس الحراري، ما جعل المحيطات تشهد ارتفاعًا غير مسبوقٍ في درجات الحرارة.
وتمتد تأثيرات هذه الظاهرة لدلتا النيل ما يمثل كارثة للزراعة والأمن الغذائي في مصر، حيث يُتوقع أن تشهد غرق مساحة شاسعة من الدلتا، تضم مدينة الإسكندرية التي يتجاوز تعداد سكانها 5 ملايين شخص، ويشكل ناتجها الصناعي نحو 40% من إجمالي الناتج الصناعي المصري، وتكمُن الخطورة في تشبُّع 60% من أراضي دلتا النيل التي تنتج نحو ثلثي احتياجات مصر من الغذاء بالأملاح، ما يجعلها غير صالحة للزراعة، بحسب تقرير أورده موقع “بي بي سي” عربي.
أكد عدد من خبراء البيئة والري، أنَّ غرق الدلتا بسبب التغيرات المناخية وارد في المناطق المنخفضة فقط، مشيرين إلى أنَّه يجرى التعامل معها بمشروعات لحماية الشواطئ في تلك المناطق، بسبب التغير المناخي الذي يرفع من منسوب سطح البحر بشكلٍ مستمر.
وقال الدكتور مجدي علام الخبير الدولي في الأمم المتحدة، إنَّ التغيرات المناخية واقع لا يُمكن إنكاره، إذ إنَّ تأثيره على دلتا النيل كبير، ومعروف ويتمثل في تداخل مياه البحر المالح بسبب ارتفاع منسوبة، مؤكدا أن الدلتا تقع في المرتبة الثانية بين دلتاوات العالم في التعرض للآثار السلبية للتغيرات المناخية.
أضاف علَّام، أنَّ هناك عددًا من نقاط الانخفاض في الدلتا، يجرى العمل عليها من خلال مشروع سيل؛ لمقاومة التغيرات المناخية الذي يعمل استشاريا فيه، وهي ما يطلق عليه بحق البحر، حيث كانت تلك المناطق جيوب بحرية، تبدأ من بحيرة البردويل في شبة جزيرة سيناء، وتنتهي في بحيرة مريوط بالإسكندرية، مرورًا بمناطق شرق بورسعيد ثم بحيرات المنزلة والبرلس والعديد من المناطق المنخفضة التي جرى تجفيفها، خلال القرنين الماضيين بغرض استصلاح الأراضي.
وأوضح أنَّ البحر المتوسط إضافة إلى تأثير التغيرات المناخية، يقوم بظاهرة ارتداد البحر في المناطق الضعيفة، التي كانت ملكًا له في العصور السابقة ونسميها بيئيا بـ”حق البحر”، مؤكدًا أنَّ هناك تغيُّرًا شديدًا في دورة المناخ بسبب الثورة الصناعية التي أثَّرت بشدة في المناخ، وأصبح متقلبًا وتلوثه شديدًا حتى أنَّ بعض أسماك المحيط الأطلنطي وُجِد أنَّ جلدها محترق بسبب مياه المحيط الحامضية. وطالب بحملة كبرى لحماية التنوع البيولوجي والتوازن البيئي وحماية الدلتا من البناء عليها.
من جانبه، أكَّد الدكتور عبدالفتاح مطاوع عضو معهد البحر المتوسط للمياه في فرنسا، أنَّ هناك تحولاتٍ هائلة من مناخ البحر المتوسط شبه المغلق، والذي طالما اتسم بالهدوء وتحول إلى أشبه بمناخ البحار والمحيطات المفتوحة المشهورة بالأعاصير، مشيرًا إلى أنَّ أسباب أعاصير البحر المتوسط المستجدة، والتي ضربت جزيرة كورسيكا وتونس والجزائر ومدن جنوب فرنسا وغيرها من مدن المتوسط، هو ارتفاع درجة حرارة مياه البحر إلى مستويات قياسية، وصلت في بعض المناطق إلى 29 درجة مئوية، ومع عوامل مناخية أخرى تسببت في أمطار غزيرة وكثيفة أكثر من 400 ميليمتر خلال زمن الساعة الواحدة، وأسماها بأعاصير المتوسط.
واعتقد أنَّ مصر شهدت واحدة منها العام الماضي، في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 2019، عندما حطت على شبه جزيرة سيناء، وفي طريقها ضربت محطة حلق الجمل بإدكو وجسر مصرف المحسمة بالإسماعيلية.
وكشف تقرير لمعهد البيئة والتغيرات المناخية بمركز البحوث المائية، أنَّ منطقة دلتا النيل تصنف في المرتبة الثانية بين دلتاوات العالم في التعرض للآثار السلبية للتغيرات المناخية، وأنَّ الأشكال السلبية تتمثل في عدة أشكال أهمها ارتفاع سطح البحر نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، والذي يرتفع 1.8 ملليمتر كل عام، نتيجة ذوبان الجليد من القطب الشمالي، ويتمثل في العواصف الجامحة.
وذكر التقرير أنَّ هناك ضرورة ملحة في الوقت الحالي لتصميمات جديدة للمدن في المناطق الساحلية تراعي التغيرات المناخية وارتفاع سطح البحر وهبوب عواصف عاتية في أوقات متفرقة وفي غير مواعيدها، مشيرًا إلى أنَّ الظاهرة معقدة جدًا وتحتاج إلى وعي شديد، فمثلًا لو ارتفعت درجة الحرارة درجة واحدة تزداد احتياجات المحاصيل الزراعية لمياه أكثر بنسبة 15%، فضلًا عن انخفاض إنتاجيتها من الثمار بنسبة 10%.
وقال الدكتور محمد سليمان الأستاذ بمركز البحوث المائية، إنَّ الوزارة بدأت في تنفيذ وتجربة عدد من الأساليب غير التقليدية ؛ للتكيُّف مع التغيرات المناخية في السواحل الشمالية، التي تتميز بأنَّها رخيصة التكلفة وعالية الجودة وصديقة البيئة، مقارنة بإنشاء حواجز حماية الأمواج في الشواطئ، بهدف أن تكون الدلتا مرنة لكل العواصف العاتية، وأنَّ الطريق الساحلي الدولي خط حماية لمنطقة الدلتا، وتسبب في حماية الشريط الساحلي من الغرق.
زر الذهاب إلى الأعلى