كتبت/مرثا عزيز
أنا هنزل أبيع كبدة وسجق في الشارع”، هكذا كان قرار المهندسة هيام نور الدين بعد سنوات دراسة شاقة بكلية الهندسة لتختم رحلتها بما لم يكن يخطر لها يوما على بال.
أحلام كثيرة رسمتها هيام في مخيلتها في سنوات الدراسة ولكن بعد التخرج اصطدمت بسوق العمل في الصعيد والذي لم تجد فيه مجالا للمرأة، حيث لم يكن في مخيلة هيام ابنة مدينة أسيوط، البالغة 29 عاما، أن يكون نهاية المطاف يوما افتتاح مطعم كبدة وسجق بعد سنوات قضتها فى معشوقتها كلية الهندسة وفى القسم الذى طالما سهرت ليالٍ طوال تدعو الله أن يكون من نصيبها وأن تلتحق بقسم عمارة.
بدأت “هيام” رحلتها منذ العام 2015 حيث تخرجت فى كلية الهندسة قسم عمارة تصميم داخلى، وبدأت تعمل لحسابها الخاص فالمجال أكثر فى العمارة في الوجه البحري وليس القبلي، وهو الأمر الذى فوجئت به بعد التخرج فلم يظهر ذلك جليا أثناء الدراسة واختيار القسم.
هيام التي كانت مفعمة بالنشاط ويملوؤها الأمل في تغيير الواقع وترك بصمة في مجال عملها اصطدمت بحائط صد اسمه نظرة وفكر محيط العمل في مجتمعها، فإذ بأول حائط تصطدم به هو سوء تعامل العملاء ومحاولاتهم هضم حقوقها المالية بالإضافة إلى العمال اللذين كانت تستعين بهم كمساعدين والذين تتغير معاملتهم تماما فور العمل مع فتاة فهم يرون أنه مهما كان لديها من خبرة لن تكون أعلى منهم ورغم أنها قائد العمل إلا أنهم لا ينصاعون لما تطلبه مهم وينفذون ما يرونه هم مناسبا وحسب، “بيبقوا هاديين ومنضبطين وأول ما يشوفوا بنت يكبروا دماغهم، أنا فاهم أكتر منك أنا خبرة أكتر منك” هكذا علقت هيام، في حين أن الذكور الذين في نفس عمرها وخبرتها ينصاع الصنايعية لمطالبهم وينفذونها دون نقاش، ولم تتوقف مضايقات هيام عند هذا الحد فم يخلو الأمر من معاكسات ومضايقات.
تبدد حلم هيام وقررت إغلاق صفحة الهندسة للأبد وقررت البحث عن عمل في مكان آخر فجاءت لها فرصة عمل مهندسة تصميم مطابخ تصميم وتركب مطابخ مع فنيين بإحدى الشركات واستمرت به لمدة سبعة أشهر، بعد قرابة عام قضته في عملها الخاص واستأنفت عملها الخاص وعادت إليه مرة أخرى ولكن بشكل قليل جدا وجمعت ما بين الشركة والعمل الخاص وفي العام 2017 قررت إنهاء أى تعامل مع التشطيبات وأعمال العمارة.
صدمة جديدة تلقتها هيام وهى انتهاء المشروع الذى كانت تعمل به بالشركة الخاص بتصميم المطابخ، فكان أمامها أمر من إثنين إما المكوث في المنزل أو الاتجاه للعمل فى المبيعات في نفس الشركة وبالفعل اتجهت للمبيعات واستمرت فيه حتى مارس 2019.
وحول عملها الجديد تعلق: “كنت مرتاحة نسبيا لولا بعض ردود الأفعال من العملاء من عدم التجاوب مع مسئول المبيعات ورفض المساعدة أو المشاجرات بين الأطراف أثناء الشراء.
وهنا كانت اللحظة الحاسمة اتخذت هيام قرارها الأخير وهو وقف عمل المبيعات وقررت تدشين مشروعها الخاص، اتخذت قرارها دون أن تحدد نوعية المشروع “قررت اشتغل شغلي مش هشتغل شغل حد”، وبعد تفكير عميق قررت بدء مشروع لبيع السجق والكبدة وإذ بها تفاجئ أهلها أنها تريد العمل على عربية كبدة وسجق، وقوبل الأمر بالرفض من الأهل خوفا عليها من “البهدلة” وليس رفضا لفكرة العمل في حد ذاتها أو قمعا لها فهم يدعمونها بقوة ويدفعونها إلى الأمام على طول الطريق، وبعد مشاورات مع الأهل توصلوا إلى حل يُرضي جميع الأطراف وهو محل كبدة وسجق “دليفرى”.
لم يكن قرار هيام بافتتاح مطعم كبدة وسجق بسبب حبها للمطبخ أو بسبب الرغبة في زيادة دخل فهي من أسرة ميسورة الحال ولكن كان لرغبتها في أن تثبت لمجتمعها الرافض لها كمهندسة عمارة أن المرأة تستطيع عمل أى شيئ ويمكنها النجاح في أى مجال ومشروع “عربية كبدة” هو أمر قاصر على الرجال فقط بسبب طبيعة المجتمع الذي تعيش فيه.
وانتصرت رغبة هيام وافتتحت مشروعها وتخطط لافتتاح فرع ثانٍ للمطعم في الفترة القادمة، حيث اختارت هيام لمطعمها اسم “شيكامارا” المأخوذ عن فيلم شيكامار الذي كانت تجسد فيه البطلة فتاة تعمل أكثر من مهنة صعبة.
لم تلتفت هيام للقيل والقال ونظرات التنمر من البعض ومن يحاول التقليل من عملها الجديد وتواصل رحلتها بتحدٍ من أجل نجاح مشروعها وتتمنى أن يصير “شيكامارا” يوما ما اسما وماركة عالمية معلقة بقولها: “نفسي شيكامارا يبقى زي العلامات العالمية الناحجة”، حتى لو أحفادي أكملوا المسيرة وجاهزة لهذا التحدى”.
أما عن مثلها الأعلى فهو “جوستو” بطل فيلم الفأر الطباخ، فهي تعشق هذا الفيلم ومتأثرة ببه جدا ولم تكن تعلم يوما أنها ستعمل في نفس مجال.
واختتمت حديثها باعثة برسالة لكل فتاة، قائلة: “متقفيش ومتستسلميش بفكرة أنا قاعدة في البيت هعمل إيه” اعملي في أي مجال وحتى لو لم تعملي اخرجي للشارع ومارسي رياضة المشي على الأقل أو اذهبي جيم افعلي ما شئتي طالما ليس حراما وفكري دوما كيف ستنجحين ولا تيأسي حتى لو لم تجحي من أول مرة ولا تجعلي أي ظروف تقف ضدك سواء آنسة متزوجة مطلقة أرملة انتي بني أدمة اعملي اللي بتحبيه واللي شايفاه صح في طريق نجاحك طالما غير مضاد لتربيتنا وأخلاقنا.
زر الذهاب إلى الأعلى