مقالات وتقارير

الكذب والطريق الى النار

الكذب والطريق الى النار

بقلم/محمد الدكروري

إن من قبائح الذنوب وفواحش المعاصي ومن أسباب مقت

الله وغضبه وسوء عاقبة من يتهاون به كثير من الناس

ويتساهلون في أمره وهو عند الله عظيم ذلكم هو آفة الكذب

فهو باب من أبواب النفاق وعلامة من علاماته ودليل على

سوء طوية المرء وقبح مخبره قال تعالى ( إنما يفتري الكذب

الذين لا يؤمنون ) وقد سئل أيكون المؤمن جبانا ؟ قال نعم

قيل أفيكون بخيلا ؟ قال نعم قيل أفيكون كذابا ؟ قال لا ،

ولقد كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم منذ

نعومة أظفاره موصوفاً بالصادق الأمين، بقدر ما أتخذ من

الصدق صفة له دليلاً لا يقبل الجدل لإثبات كونه رسول الله تعالى .

وقالت السيده عائشة رضي الله عنها ما كان من خلق أبغض

إلى رسول الله من الكذب وقد قال الرسول الكريم صلى الله

عليه وسلم “عليكم بالصدق فانه مع البر وهما في الجنة ،

وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار ” ومن الثلاثة

الذين لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب

أليم المنفق سلعته بالحلف الكاذب ، وإن الكاذب لمحذور في

حياته لا يوثق به في خبر ولا معاملة، وإنه لموضع الوصف القبيح بعد وفاته .

وإن من نعم الله العظيمة علينا هذا اللسان اللطيف في صنعه

الصغير في حجمه العظيم في جرمه إذا استعمل فيما لم

يخلق له الكبير في فضله إذا ستعمل فيما خلق له ومن آكد

آفات هذا اللسان الكذب بل هو سبب كب الناس في النار على

وجوههم وهو الذي يورد صاحبه المهالك إذا أطلقه بدون عنان

ورادع بالكذب والفجور والأخبار بخلاف الحقيقة وإشاعة

الأقوال ورمي الناس بالباطل وإذاعة الأباطيل وترويجها ،

وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث أن

للصدق غايةً وللصادق مرتبةً، أما غاية الصدق فهي البر

والخير ثم الجنة وأما مرتبة الصادق فهي الصديقية وهي

المرتبة التي تلي مرتبة النبوة .

ولقد كان الكفار مع كفرهم وأهل الجاهلية في جاهليتهم

يترفعون عن الكذب ولا يتخذونه منهجًا لحياتهم أو بلوغ

مآربهم ، فهذا أبو سفيان ذهب قبل أن يسلم في ركب من

قريش تجار إلى الشام فلما سمع بهم هرقل ملك الروم بعث

إليهم ليسألهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان:

” فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذبًا لكذبت عليه ” وإن

الكفار في كفرهم وأهل الجاهلية في جاهليتهم يترفعون عن

الكذب ويستحيون من أن يؤثر عليهم وينسب إليهم ، فكيف

بكم أنتم أيها المؤمنون وقد حباكم الله تعالى بهذا الدين

الكامل الذي يأمركم بالصدق ويرغبكم فيه، ويبين لكم نتائجه

وثمراته الطيبة ، وينهاكم عن الكذب ويحذركم منه ويبين لكم

نتائجه وثمراته الخبيثة .

واعلموا أن الصدق أفضل خصال الإنسان وأوضح دلائل

الإيمان وأجل مذاهب الإحسان وهو دليل على علو النفس

ونزاهتها وبعد الهمة وسموها وصلاح الشمائل وطهارتها وهو

علامة أولياء الله المتقين وبرهان عباد الله الصالحين فقد

وصف الله به نفسه فقال عز وجل (وإنا لصادقون ) وقال

( قل صدق الله ) وأثنى على نبيه إسماعيل فقال ( إنه كان

صادق الوعد ) ووصف به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

وصاحبه فقال ” ( والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم

المتقون ) وخص به عباده الأبرار المتقين الأخيار فقال

( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )

ثم جعل جزاءه الجنة ورضوانه فقال ( يوم ينفع الصادقين

صدقهم ) وقال ( ليجزي الصادقين بصدقهم ) .

وفى حديث النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “عليكم

بالصدق فأن الصدق يهدي إلي البر وإن البر يهدي إلى الجنة

وما يزال الرجل يصدق ويتحر ى الصدق حتى يكتب عند الله

صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن

الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب

حتى يكتب عند الله كذابا ” رواه البخاري ومسلم .

فمن رغب في البر والجنة فليتحر الصدق في أقواله وأعماله

حتى يكون خلق الصدق سجية له يعرف به عند الناس

ويكتب في زمرة الصديقين عند الله والملائكة فالصدق

أساس الفضائل ودليل الأمانة وزكاة القلب وطهارته وهو

منجاة فلا وقاية أوقى من الصدق ولا أنصح من الصادق ولا

أحسن منه نية وبرا وما تزين إنسان بشيء أفضل من الصدق

بالقول والعمل به ، يسود المرء ويُحب ويُهاب في الدنيا

ويثاب في الآخرة وهو المنة العظيمة التي من الله بها على

أنبيائه حيث جعل لهم لسان صدق عليَّا .

فعليكم بصدق اللسان فما أوتي العبد في الدنيا شيئا أحسن

من لسان صادق وقلب صادق وعمل صادق قال تعالى

(رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمن من قضى نحبه

ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) واصدقوا الله تعالى في

عبادته واعبدوه مخلصين له غير مرائين في عبادته ولا

مسمِّعين ، وامتثلوا أمره طلبًا للقرب منه والحصول على

ثوابه، واجتنبوا نهيه خوفًا من البعد عنه والوقوع في عقابه،

ولا تبتغوا في عبادته أن يَراكم الناس أو يسمعوكم فيمدحوكم

عليها ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك، ومن عمل عملًا

أشرك فيه معه غيره تركه وشركه.

وإن الناظر في حال الأمة اليوم ليجد الكذب بشتى صوره وما

ترتب عليه من آثار منتشرة في الأمة بشكل ملفت زاد الأمة

انحطاطاً في أخلاقها وفساداً في قيمها، وهناك دوافع تدفع

البعض إلى الكذب بأنواعه وفي جميع مجالاته إضافة إلى

ضعف أو عدم الوازع الديني وعدم الشعور بالمسئولية تجاه

ما أراده الشرع الشريف منه ، والكذب عنصر إفساد كبير

للمجتمعات الإنسانية وسبب هدم لأبنيتها الحضارية، وتقطيع

لروابطها وصلاتها، ورذيلة من رذائل السلوك ذات الضرر البالغ ،

ويكفي العبد العاقل اللبيب للحذر من هذا المرض أن يعلم أن

الكذب طريق إلى النار، وفيه يخسر الإنسان آخرته بعد خسارة دنياه.

والكذب حرام وإن لم يكن فيه أكل لمال الغير بالباطل، فليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن تحريمه مشروط بذلك، ولكنه إذا تضمن أكل مال بالباطل كان أعظم جرمًا وأشد عقوبةً ، والكذب كغيره من المعاصي تستوحش منه النفس المطمئنة الراضية المرضية ، فإذا وقعت فيه مرةً هان عليها شأنه، ثم تقع منه ثانيًا فيهون عليها أكثر حتى يصبح كأنه سجية وطبيعة، فيكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتَب عند الله كذابًا……. فإياكم والكذب ؟؟؟؟؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى