الكذب فى الإسلام
بقلم / محمـــــد الدكــــرورى
نعيش فى زمان كثر فيه الغش والخداع والزيف والكذب ولكن المسلم لا يكون كذايا وهكذا علمنا النبى صلى الله عليه وسلم فاتقوا الله تعالى وكونوا مع الصادقين في عبادة الله اصدقوا الله عز وجل في عبادته واعبدوه مخلصين له غير مرائين في عبادته ولا مسمعين، امتثلوا أمره طلباً للقرب منه والحصول على ثوابه، اجتنبوا نهيه خوفاً من البعد عنه والوقوع في عقابه لا تبتغوا في عبادته أن يراكم الناس أو يسمعوكم فيمدحوكم عليها؛ فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك، ومن عمل عملاً أشرك فيه معه غيره تركه وشركه.
واصدقوا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في اتباعه ظاهراً وباطناً غير مقصرين في سنته ولا زائدين عليها ، واصدقوا الناس في معاملتهم أخبروهم بالواقع فيما تخبرونهم به وبينوا لهم الحقيقة فيما تعاملونهم به ذلك هو الصدق الذي أمركم الله به ورسوله فيقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ..
ويجب علينا جميعا أن نبتعد عن الكذب ونعلم أنه عمل مرذول، وصفة مقيتة، وخصلة من خصال أهل النفاق، فهو عمل يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وهو نقص في الشخصية السوية المعتدلة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا ” .
ولقد انتشرت في زماننا صفة الكذب فى كل الامور وكل شئ حتى أصبحت هذه الصفة للأسف بضاعة لبعض الناس لا يجيد غيرها، ذلكم أنه تعود الكذب، وكذب ثم كذب، وتحرى الكذب، حتى كتب كذاباً عند الله، والمسكين يظن أن مراوغته وكذبه ذكاء ودهاء، وربما ظن أن الكذب مهارة وقدرة يكمل به شخصيته المهزومة.
إنه الكذاب الذي يقلب الحقائق، وربما زين القبيح وقبح الحسن، إنه الكذاب الذي ضعفت نفسه وهانت عليه، وأصبح بين الناس منزوع الثقة، مهين وضيع حقير، وقد قيل: الكذب جماع كل شر وأصل كل ذم؛ لسوء عواقبه وخبث نتائجه .
والكذاب يعيش قلقاً نفسياً ووهماً واضطراباً، وشكاً وريبة، ولنعلم أن أعظم الكذب الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كحال ذلك الذي يفتي بغير علم ويتقول على الله ورسوله الكذب، فعن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ” ومن أعظم الكذب أيضاً الكذب الذي يترتب عليه أخذ حق أو أكل مال بالباطل كالكذب من التاجر عند البيع وكالكذب في المطالبات والخصومات ، وقد قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” البيعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما فيبيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما “، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر شهادة الزور.
ومن أعظم الكذب الكذب الذي ينتشر بين الناس ويؤثر عليهم ، ومما يتساهل فيه الناس الكذب عند المزاح، لإضحاك الآخرين، وربما قصد إيناسهم وإدخال السرور عليهم، لكنه عمل ممنوع في الشريعة لأنه يغري النفس بالكذب ويعودها على سفاس الأمور، فقد قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” ويلٌ للذي يُحدِثُ بالحديثِ ليضحِكَ به القومَ فيكذِبُ، ويلٌ له، ويل له ” ولنعلم جميعا أنه لا يكذب المرء إلا من مهانته أو فعله السـوء أو من قلة الأدب
ومما يتساهل فيه بعض الناس الكذب على الأولاد فيكذب الوالدان على الأولاد لأي سبب، إما كذب للتخلص من الولد أو لتخويفه، وهذا في الحقيقة يغري الولد بالكذب ويعوده عليه حتى ينشأ عليه ، فعن عبدالله بن عامر أنه قال: “دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد فيبيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أردت أن تعطيه؟ قالت: أعطيه تمرًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة” .
ومما يتساهل فيه بعض الناس نقلَ الكذب، فينقل عن فلان وفلان وهو يعلم أنه كذب، وقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ” من حَدَّثَ حديثًا وهُو يرى أنَّه كَذِب فهو أحدُ الكاذبينَ ” رواه مسلم، وقال ايضا صلى الله عليه وسلم ” كفى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بكلِّ ما سمِع ” رواه مسلم .
ويعظم ضرر الإشاعات حين تتعلق بالآخرين في أعراضهم تشهيراً بالأفراد أو الأسر وما أقبح غاية الكذب وما أسفل مرتبة الكاذب، فالكذب يفضي إلى الفجور وهو الميل والانحراف عن الصراط السوي ثم إلى النار ، والكاذب سافل؛ لأنه مكتوب عند الله وبئس هذا الوصف لمن اتصف به إن الإنسان لينفر أن يقال له بين الناس يا كذاب؛ فكيف يُقِرُّ أن يكتب عند خالقه كذاباً، وإن الكاذب لمحذور في حياته لا يوثق به في خبر ولا معاملة، وإنه لموضع الثناء القبيح بعد وفاته .
فهل بعد ذلك سبيل إلى أن يتخذ المؤمن الكذب مطية لسلوكه أو منهجاً لحياته لقد كان الكفار في كفرهم وأهل الجاهلية في جاهليتهم لا يمتطون الكذب ولا يتخذونه منهجاً لحياتهم أو بلوغ مآربهم ، فاللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء، واهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.