القائد خالد بن الوليد ( الجزء الثالث )
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
كان خالد بن الوليد رضى الله عنه، هو أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما يجعله يحظى بالكثير من الاحترام والتقدير لدى المسلمين، وهو خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي أبو سليمان المكي، وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، وهو صحابي جليل، وبطل مجاهد.
وقائد إسلامي عظيم، وفارس من فرسان الإسلام، وقد اشتهر بلقب سيف الله المسلول، وهو اللقب الذي لقّبه له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتميّز خالد بجهاده في سبيل الله، إذ حارب في بلاد فارس، وفي بلاد الروم، وفي بلاد الشام.
وقد قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم : ” نِعمَ عبد الله خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله” ، وقال خالد رضي الله عنه : ما ليلة يهدي إليّ فيها عروس أنا لها محب، أو أبشّرُ فيها بغلام أحبَ إلي من ليلة شديدة الجليد في سريّةٍ من المهاجرين أصبِّحُ بها العدو.
وقد أمَّ خالد الناس بالحيرة، فقرأ من سُور شتى، ثم التفت إلى الناس حين انصرف فقال: شغلني عن تعلّم القرآن الجهاد، وقد نزل خالد بن الوليد الحيرة على أمير بني المرازبة فقالوا له: احذَر السمَ لا يسقيكه الأعاجم، فقال إئتوني به، فأتِيَ به فأخذه بيده ثم اقتحمه وقال: بسم الله، فلم يُضره شيئا.
وقد أخبر خالد رضي اللـه عنه، أن في عسكره من يشرب الخمر، فركب فرسـه، فإذا رجل على منسج فرسه زق فيه خمر، فقال له خالد: ما هذا؟ قال: خل، قال: اللهم اجعله خلا، فلما رجع الى أصحابه قال: قد جئتكم بخمر لم يشرب العرب مثلها، ففتحوها فإذا هي خل قال: هذه والله دعوة خالد بن الوليد.
وكانت غزوة مؤتة أول غزوة شارك فيها خالد بن الوليد ، وقد قتل قادتها الثلاثة، وهم زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، فسارع الى الراية ثابت بن أقرم، فحملها عاليا وتوجه مسرعا الى خالد قائلا له: خذ اللواء يا أبا سليمان، فلم يجد خالد أن من حقه أخذها فاعتذر قائلا: لا، لا آخذ اللواء أنت أحق به، لك سن وقد شهدت بدرا.
فأجابه ثابت: خذه فأنت أدرى بالقتال مني، ووالله ما أخذته إلا لك، ثم نادى بالمسلمين: أترضون إمرة خالد؟ قالوا: نعم، فأخذ الراية خالد وأنقذ جيش المسلمين، ويقول خالد: قد انقطع في يدي يومَ مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة لي يمانية.
وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، عندما أخبر الصحابة بتلك الغزوة: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذ الراية ابن رواحة فأصيب ، وعيناه صلى الله عليه وسلم، تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم، فسمي خالد من ذلك اليوم سيف الله.
وأثرى مشاعره وعقله ولقد طفق خالد ينهل من مدرسة النبوة العظيمة حتى اصبح القائد الذي يعلم إلى اليوم قادة العالم، ولا ننسى ان خالد بن الوليد طالب نجيب في مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن خالد بن الوليد كان يتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من نواحي الحياة
وقد تعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير من التكتيكات العسكرية والنصائح التي نفعته في ما بعد في معاركه ولقد هذبه الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه وأدبه وصقل موهبته، ثم قام بمواجهة مسيلمة الكذاب مدعي النبوة الذي امتلك اكبر جيوش المرتدين و هزمه في معركة اليمامة وهي من اكبر المعارك التى خاضها المسلمين مع المرتدين.
وشارك في فتح مكة وفي حروب الردة، فقد مضى فأوقع بأهل الردة من بني تميم وغيرهم بالبُطاح، وقتل مالك بن نويرة، ثم أوقع بأهل بُزاخه، وهي المعركة التي كانت بين خالد و طليحة بن خويلد، وحرقهم بالنار، وذلك أنه بلغه عنهم مقالة سيئة، شتموا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وثبتوا على ردّتهم.
ثم مضى الى اليمامة ووضع حدا لمسيلمة الكذاب وأعوانه من بني حنيفة، وفي فتح بلاد الفرس استهل خالد عمله بارسال كتب إلى جميع ولاة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه: بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد الى مرازبة فارس، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فالحمدلله الذي فض خدمكم، وسلب ملككم، ووهّن كيدكم،
من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا، إذا جاءكم كتابي فابعثوا إلي بالرّهُن واعتقدوا مني الذمة، وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة .
وعندما جاءته أخبار الفرس بأنهم يعدون جيوشهم لمواجهته لم ينتظر، وإنما سارع ليقابلهم في كل مكان محققا للإسلام النصر تلو الآخر، ولم ينس أن يوصي جنوده قبل الزحف: لا تتعرضوا للفلاحين بسوء، دعوهم في شغلهم آمنين، إلا أن يخرج بعضهم لقتالكم، فآنئذ قاتلوا المقاتلين.
وقد بعثه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى العُزّى يهدمُها، فخرج خالد في ثلاثين فارسا من أصحابه حتى انتهى إليها فهدمها، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هُدِمت؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هل رأيت شيئا؟ ” فقال: لا .
فقال: ” فإنك لم تهدمها، فأرجع إليها فاهدمها” فرجع خالد وهو متغيّظ، فلما انتهى إليها جرّد سيفه، فخرجت إليه إمرأة سوداء عُريانة، ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، قال خالد: وأخذني اقشعرار في ظهري، فضربها بالسيف فجزلها باثنتين، ثم رجع الى رسـول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره فقال: ” نعم ، تلك العُزّى قد أيست أن تُعبد ببلادكم أبدا” .
ثم قال خالد: أي رسول الله، الحمد لله الذي أكرمنا بك، وأنقذنا من الهلكة، ولقد كنت أرى أبي يأتي إلى العُزّى نحيره، مئة من الإبل والغنم، فيذبحها للعُزّى، ويقيم عندها ثلاثا ثم ينصرف إلينا مسرورا، فنظرت إلى ما مات عليه أبي، وذلك الرأي الذي كان يُعاش في فضله، كيف خُدع حتى صار يذبح لحجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع؟
فقال رسول الله: ” إن هذا الأمر إلى الله، فمن يسَّره للهّدى تيسر، ومَن يُسِّر للضلالة كان فيها” وكان خالد بن الوليد ،عميق التفكير، وروي ومتبصر في آرائه، إذ يطيل الفكر، وبعد ذلك يتخذ القرار المناسب، وكان كريم، وكثير العطاء، إذ كان يعطي من ماله الخاص، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لامه في ذلك.