العدو الخفي فى خراب الدول وتدميرها..؟!
بقلم. صابر محمد عبدالعزيز
الكاتب والباحث في التاريخ الإسلامي
قدر الله على هذه الأمة فى هذه الازمان أن يتكالب عليها الأعداء من أجل
تمزيقها وتأخير نهضتها، ولكن المولى سبحانه وتعالى لم يترك هذه الأمة فى
مختلف مراحلها ، فكان من مظاهر رحمته سبحانه وتعالى بهذه الأمة أنه لم
يتركها بدون بيان وتحذير من هؤلاء الأعداء الذين يعملون فى خفاء ومن وراء
ستار ، لقد عانت الأمة قديما وحديثا من شر هؤلاء فمنذ عهد النبي ( ص)
وذاقت الأمة المرائر من النفاق وأهله ، ولم ينشأ النفاق فى العهد المكي فى
زمن النبي (ص) وذلك لوضوح عدواة الكفار وصراحتهم ، ولكن كان بداية النفاق
بعد غزوة بدر الكبرى، ومن الجدير بالذكر أن رسول الله (ص) قد إستشار
أصحابه فى القتال قبل غزوة بدر الكبرى ، وكانت هذه الاستشارة بمثابة إختبار
لإيمان المسلمين ، وصلابه عقيدتهم ومدى التضحية فى سبيل رفع رأية الأمة ،
وقد أسفر هذه الامتحان عن نجاح باهر ، وفى ظل النصر العظيم للأمة
( بغزوة بدر الكبرى ) ظهر ما كمن فى نفوس المنافقين ، وبدأوا يدبرون
الدسائس والمؤامرات لتفريق وحدة المسلمين ، ولكن ما كان هذا ليخفى على
مؤسس الأمة المحمدية سيدنا محمد (ص) بل كان يراقبهم عن حذر ويقظة.
لقد جعل الله عزوجل وقوع الابتلاء رحمة بالأمة وذلك حتى يتميز الخبيث من
الطيب ، فكان فى تفاوت الأمور رحمة وهذا ما حدث مع المسلمين فى غزوة
أحد فلو انتصروا دائما لدخل فى المؤمنين من ليس منهم ، فاقتضت الحكمة
الإلهية الجمع بين الأمرين، حتى يتميز الصادق من الكاذب وبالفعل ظهر المنافقون وعرفهم المؤمنون .
ومن الغريب أنهم ( المنافقين ) يزعمون الإصلاح والسعي إلى ما فيه مصلحة
للناس ، ولكن المولى سبحانه وتعالى قد بين حقيقتهم وأكد أن هؤلاء هم
المفسدون قال تعالى ” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ
مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ
النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ ” سورة البقرة .
ولنا فى أحداث غزوة بنى المصطلق ( شعبان ٦هجرية ) وقفة صغيرة فلقد كان
هناك حادثين خطيرين عكرا صفاء الأمة لولا لطف الله عزوجل وحكمة رسول الله ( ص ) .
الحدث الأول وقد تمثل فيما وقع من عبدالله بن أبى زعيم المنافقين ، وكان مع
المسلمين يتظاهر بالإخلاص والإيمان ، وقد حدث أن اجيرآ لسيدنا عمر بن
الخطاب ( رضي الله عنه ) أختصم مع رجل من حلفاء الخزرج فضربه ،
فاستصرخ الخزرجي بقومه ، واستصرخ الأجير بالمهاجرين ، فلما وصل بنأ هذا
الخصام إلى عبدالله بن أبى زعيم المنافقين غضب وكان عنده مجموعة من
الخزرج فقال : ما رأيت كاليوم مزلة ، وقد سمع بعض المسلمين المخلصين هذا
الكلام ، أخبر النبي ( ص ) بهذا وحينما تأكد النبي ( ص ) من صدق الكلام غضب
وظهر الغضب على وجهه الكريم وبكل حكمة بالغة إستطاع النبي ( ص ) إخماد
أحداث الفتنة ، وفى هذا التوقيت نزلت سورة المنافقون تفضح أكاذيب عبدالله
بن أبى زعيم المنافقين ومن على شاكلته قال تعالى ” إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ
قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ” سورة المنافقون .
الحدث الثاني وقد تمثل فيما وقع من حديث الإفك عن السيدة عائشة
( رضي الله عنها ) زوج النبي ( ص ) وهو حديث الزور فى كل وقت وفى معظم
الروايات التاريخية والصحيحين أيضا ان عبدالله بن أبى زعيم المنافقين ومسطح
بن أثاثة وحمنة بنت جحش من ضمن الذين خاضعوا فى هذا الحديث وهنا نزلت
أيات براءة السيدة عائشة ( رضي الله عنها ) قال تعالى ” إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ
عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ
الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ . لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ” سورة النور .
ومن هنا نقول بأن الخراب لا يأتى إلا بسببهم ولا يقع إلا بما قالته ألسنتهم فهم
يحاربون نشر الأخلاق ، فالشر والفساد منهم أقرب والخير والإصلاح عنهم أبعد
قال تعالى “هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ” سورة المنافقون
لقد تخطئ الأمر إلى محاولة نشر أخبار الدولة للأعداء من أجل مصالح شخصية
ولنا فى زلة حاطب بن أبى بلتعة وقفة صغيرة حيث أخذ رسول الله ( ص ) بالتجهيز للخروج إلى مكة ( فتح مكة رمضان ٨هجرية / ٦٢٩ م ) ولكنه أخفى مقصده إلا عن بعض أصحابه كالصديق، فلما علم حاطب بن أبى بلتعة بذلك
كتب إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه النبي ( ص ) فى أمرهم ، وكان كتاب حاطب موجها الى كلا من :- صفوان بن أمية و سهيل بن عمرو و عكرمة بن أبى جهل وفيه يقول : إن رسول الله قد أذن فى الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم .
واعطى الكتاب إلي امرأة تسمى ” سارة ” وجعل لها عشرة دنانير ، وقال لها : اخفيه ما استطعت ولا تمرى على الطريق المألوف بين مكة والمدينة ، وأتى
الخبر إلى النبي ( ص ) من السماء بما صنع حاطب بن أبى بلتعة ، فبعث ( ص ) عليا والزبير ( رضى الله عنهم ) وقال لهما : أدركا امرأة من مزينة وقد كتب معها حاطب كتابا يحذر قريشا ، فادركاها ، فاستخرجت الكتاب فلما جاءا بالرسالة إلى النبي ( ص ) دعا حاطب بن أبى بلتعة ودار بينهم كلام كثير .
وهنا نزل قول المولى سبحانه وتعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء
مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ” سورة الممتحنة .
ومن هنا يظهر لنا أن خطر المنافقون على الدول يفوق ضرر الأعداء الظاهرين وعلى الجانب الآخر يحاول المنافقون نشر الفوضى بين أفراد المجتمع وتقليل
الروح المعنوية ولنا في غزوة حنين وقفه صغيرة فلقد تكلم المنافقين بكلام ينم عن التشفي وكسر العزائم وتهبيط الهمم ، وإثارة الفتن حيث قال كلدة بن الحنبل وهو أخ لصفوان بن أمية لأمه ” ألا بطل السحر اليوم !! فقال له صفوان
وكان لايزال مشركا فى المدة التي جعل له فيها النبي (ص) الخيار أسكت فض الله فاك .
ومن نعم الله علينا وجود المحن والشدائد فهي التي تظهر لنا حقائق الأمور ومعادن البشر ولنا فى غزوة تبوك ( ٩هجرية / ٦٣٠ م ) وقفة صغيرة فلقد رغب
النبي (ص) أصحابه للخروج إلي تبوك وأمر بالصدقة فكان أول من حمل صدقته
هو سيدنا أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) وجاء سيدنا عمر بن الخطاب
( رضي الله عنه ) بنصف ماله ، وجهز سيدنا عثمان بن عفان ( رضي الله عنه )
معظم الجيش .
وعلى الجانب الآخر فلقد جاءت جماعة من المنافقين يلتمسون الأعذار ويحلفون
بالله قائلين : لو إستطعنا لخرجنا معكم والله يعلم أنهم لكاذبون وهنا فضح الله
أمرهم حيث قال تعالى ” فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن
يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ” سورة التوبة .
وبعد وفاة النبي (ص) وتولى سيدنا أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) الخلافة ظهر المرتدين والمنافقون بكثرة ولكن على الفور قرر الخليفة التصدى لهم بكل قوة وحزم وجهز الجيوش لهم ، وقد نجحت تلك القوة من هزيمة هؤلاء المنافقين واعادتهم إلى حيز الدولة مرة أخرى
وهنا اتذكر قول الله عزوجل ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ
وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
مِن فَضْلِهِ ۚ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ ۖ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ” سورة التوبة.
ولنا فى قضية الخليفة الطاهر سيدنا عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) وقفة صغيرة حيث قام عبدالله بن سبأ المعروف تاريخيا بأبن السوداء بمؤامرة على
الأمة أدت إلى اغتيال واستشهاد سيدنا عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) .
واخيرا فإن العدو الحقيقي وراء تدمير الدول فى أي عصر من العصور ،
وفى أي زمن من الأزمنة ، هم المنافقون لأنهم غير ظاهرين محاولين تحقيق
ما عجز الأعداء عنه فى الأوطان ، حفظ الله الوطن من المنافقين .
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.