الصِّيَامُ جُنَّةٌ
بقلم :طارق سالم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ
..وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ
..يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي ، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَنحن .
الآن أمام ركن من أركان هذا الدين الحنيف لننظر منه إلى وصف من أوصاف
حكمته الجامعة التي أخبر بها من أعطاه الله تعالى جوامع الكلم وأيده بالوحي
وعصمه من الزلل والزيغ. ذلكم هو الصوم والعبارة النبوية الجامعة الحافلة النيّرة ” الصوم جُنَّةٌ”.
والصوم حقا هو أعظم مدرسة تربوية تزكي النفس وتطهّر القلب وتقوّم السلوك
وتنمّي الفضائل وتنقي الرذائل وكل ذلك وأكثر منه ينطوي تحت العبارة النبوية الشريفة الجامعة النيّرة ” الصوم جُنَّةٌ”.
وفي المعجم . الجُنّةُ: السترة.. وكل ما وقى من سلاح وغيره ويقال: الصوم جنة: وقاية من الشهوات.
الصوم حائل للعبد عن كل فساد ووقاية له من كل قبيح ومطهر له من كل خبيث ومن ذلك:
1- أنه جنة بمعنى حاجز وعاصم من الشهوات المردية. وقد وصفه النبي صلى
الله عليه وسلم للأعزب إذا لم يجد سبيلا إلى النكاح الحلال فقال: “يا معشر
الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” فهو جنة بمعنى حماية وحاجز من الفحشاء والفجور.
2- والصوم جنة بمعنى الوقاية من سوء الخلق والسفه والجهل ولزوم الوقار
ومكارم الأخلاق. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الصيام جنة فلا يرفت ولا يجهل.
3- والصوم جنة من المعاصي ووقاية للعبد من مقارفة الحرام. قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:” من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
4- والصوم جنة للعبد بمعنى حاجز له من مجاراة السفهاء ومخاصمة الجهلاء
ولزوم العفو وحسن الخلق. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :”والصيام
جنة وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم.
5- والصوم جنة للعبد بمعنى وقاية وحصن من كل ما يشينه في الدنيا ويهينه
في الآخرة لأنه يقوم سلوكه ويهذّب خلقه ويطهّر قلبه ويزّكي نفسه ويزيد
إيمانه ويكون مآله بذلك النجاة من النار والفوز بالجنة.. فهو من أعظم حصون
المسلم الواقية من المهالك. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“الصيام جنة وهو حصن من حصون المؤمن وكل عمل لصاحبه إلا الصيام. يقول
الله ” الصيام لي وأنا أجزي به” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” الصيام جنة وحصن حصين من النار.
6- والصيام جنة للعبد ووقاية من النار وهذا أعظم أهداف المتقين النجاة من
النار والزحزحة عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال.
فما أعظم بركة اللفظ النبوي الذي جمع الفضائل ونفى الرذائل وأهّل الصائم
لأسمى المنازل. يعبر عن كل هذا وغيره بلفظ من ثلاثة أحرف لو فصلت معانية لملأت المجلدات.
من لُطف الله بعباده وهو اللَّطيف الخبير أن أوضح سبل السعادة للبشر في
دينهم وعلى لسان الرسل عليهم الصلاة والسلام لئلا تكون للناس على الله
حجة بعد الرسل وليسلك عباد الرحمن المنهج القويم ويستعملوا جوهر عقولهم
فيما يعود عليهم بالخير الكثير وحذرهم من أشياء وعد ارتكابها عصيانا عظيما وتَوعدهم على مخالفته بجهنم ولبئس دار المذنبين
جمع الصوم من المنافع الأتية :
1- تنمية مراقبة الله تعالى في قلب العبد ونفسه.
2- تدريب العبد على التحكم في نفسه وشهواته وكبح جماحها.
3- تمكين العبد من تمّلك زمام نفسه وإلزامها العفو وعدم الانتصاف عند الغضب وفي هذا تحقيق قوة الإيمان وشدته.
4- الصائم أجدر الناس بالإحسان بالفقراء والجياع لما يعرض له من الجوع في صيامه.
5- الصائم أجدر الناس بشكر نعمة الله تعالى عندما يفرح بفطره فيشرب على الظمأ ويطعم على الجوع.
6- الصيام يربي العبد على ترك المحرمات لأنه إذا ترك شهواته من الحلال فهو أجدر أن يتوقى الحرام.
7- الصيام ينمي يقين العبد بلقاء الله تعالى. الذي جاع وظمئ ليفطر على ضيافة ربهن و تحفته في دار كرامته.
8- الصيام أعظم ما يزود العبد من التقوى التي هي ثمرة العبادة وزبدتها.
وصدق الحكيم الخبير إذ يقول: “يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين
من قبلكم لعلكم تتقون”. فلما كانت التقوى ثمرة العباد فأعظم أسبابها الصيام
كما قال تعالى:” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”.
زر الذهاب إلى الأعلى