الشهيد المقدم طيار فاروق حمادة.
البطل الذي دمر خزانات الوقود للعدو في أبو رديس لفك الثغره.
كتب/ محمد حسن حمادة.
الشهيد / عقيد طيار فاروق حمادة ضابط طيران مصري، استشهد في حرب
أكتوبر 1973، عاصر نكسة يونيو 1967، التي لم تكن كلها سوادا وهزيمة
وخاصة في صفوف سلاح الطيران المصري الذي شلته إسرائيل ونجح
الصهاينة بتحييده عندما ضربوا طائراتنا علي الأرض، في هذه الفترة كان
تعويض خسائر سلاح الطيران أهم أهداف القوات المسلحة، وفي يوم 15
يوليو 1976.كانت بداية النصر للطيران المصري.
من بين الطيارين الأفذاذ في ذلك اليوم الشهيد الرائد الطيار البطل فاروق حسن
محمود حمادة الذي حلق بطائرته الميج واعترض طائرة ميراج صهيونية
فأسقطها ليؤكد أن الطيارين المصريين أحياء يرزقون ومازالوا علي قيد الحياة.
علي أثر ذلك نال فاروق حمادة نجمة الشرف من الرئيس عبد الناصر ولكن
ذلك لم يرو ظمأه بعد.
أما في حرب أكتوبر 73 فزادت خبرته وكما ظهرت قوته ظهرت شراسته مع
الأعداء، فأسقط عدد 6 طائرات وفي آخر طلعاته يوم 22 أكتوبر أصيبت طائرته.
كان الهدف المحدد له ضرب خزانات الوقود للعدو في أبو رديس لفك الثغره،
ولكن الأقدار تطلب الأبطال فقد أصيبت طائرته بعطل فني وتعطل ذراع القفز
بالكرسي، إذن العودة حتمية وغير ذلك يعد ضربا من ضروب الجنون
والمستحيل، لكن أمثال فاروق حمادة لايتخلون ولايعترفون بالفشل،
ولايعرفون الهزيمة، وليس في قاموسهم كلمة مستحيل، كيف يكون سببا في
فشل مهمة وطنية أوكلت إليه، فأبلغ الأسد الهصور قيادته بأنه قرر اقتحام
الخزانات بطائرته وقد كان.
بطلنا الأسطوري الشهيد المقدم طيار فاروق حمادة، خريج الدفعه التاسعه
طيران عام 1960. كان يبلغ من العمر آنذاك عشرين ربيعا، وبعد تخرجه
مباشرة انتقل مباشره إلي وحده التدريب علي أعمال القتال الجوي في
قاعده كبريت الجويه، ثم بعد ذلك انضم إلي السرب 31 قتال الذي يقوده البطل
الرائد طيار الشناوي الذي وقع اختياره علي فاروق حمادة بعدما تيقن من
كفاءته وشجاعته لتدريبه علي أعمال القتال بالميج 15و الميج 17 وبعدها
توطدت العلاقه بينهما.
وبعد انتهاء فترة التدريب أصبح فاروق طيارا مقاتلا متميز جدا بين مجموعته
التي ضمت طياري قتال من الدرجه الرفيعه مثل أحمد السمري، سمير حسام
أحمد صالح، سيد صقر، محمد خميس
وغيرهم وغيرهم من خيرة الطيارين
المصريين.
بعد فترة عمل وتدريب شاقين انتقل فاروق حمادة الي أسراب القتال للميج
21
وفي يونيو 1967. طار فاروق حمادة طلعات انتحارية، طلعات ذهاب بلا عودة
وبعد كل طلعة يطلب المزيد من الطلعات لصد هجمات العدو التي لم
تتوقف وأيضا لم يتوقف مجهود هذا البطل الدائم إلي أن جاء يوم 15 يوليو
1967وكان حمادة (حالة أولي) أي جالس في طائرته مربوط بأحزمه
لايستطيع كثيرون احتمالها علي أول الممر حتي إذا حدث هجوم من العدو
يكون علي أهبه الاستعداد للإقلاع لصد الهجوم في خلال ثلاث دقائق علي
الأكثر من استلامه إشاره التحرك، وبالفعل رأي الإشاره فأدار محرك الطائره
وتحرك وأقلع واتجه إلي الطائرات المعاديه في دقيقتين.
أخبره المُوجه: يافندم (دول ٨ طائرات)؟
رد حمادة: ربنا معانا مش حاسبهم يهجموا علي المطار”.
وفي غضون كسر من الثانية وجد نفسه محاطا بثماني طائرات ميراچ وبدأو في
الدوران حوله وهم يحملقون في فريستهم قبل الانقضاض عليها فقد
تصوروا أن هذا الطيار المصري لقمة سائغة سيجهزون عليه بسهولة، وبعدها
يستمرون في مهمتهم لضرب المطار.
قام حمادة بمنتهي الثقه والهدوء بوضع نفسه أمامهم وبدأو يتجمعون جميعهم
خلفه وعندما أحس أنهم سوف يبدأون الضرب عليه ناور بطائرته مناورة ذكية
أبهرتهم، وبعدما كان أمامهم أصبح خلفهم وفورا ضرب قائد مجموعتهم
فانفجرت طائرته في الحال، وكان من أكفأ طياريهم، وعندما شاهدوا انفجار
طائرة قائد مجموعتهم لاذوا جميعا بالفرار فلقد خبروا برؤيا العين أنهم أمام طيار مقاتل محترف.
لكن كل ذلك لم يقنع به فاروق حمادة ومهما قدم من بطولات وفداء علي
المستوي الشخصي مازال الوطن وخاصة سيناء الحبيبة في قبضة
الصهاينة وكان الجنود الصهاينة يقومون بأفعال استفزازية علي الضفة الشرقية
للقناة فكانوا يكتبون علي الأقمشة بخط عريض آيات قرآنية منها
(كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) علي أساس أنهم شعب الله المختار
وأن الله ناصرهم، أما أسوأ اللحظات لدي فاروق حمادة فكانت عندما يلمح
رفرفة العلم الإسرائيلي علي الضفة الشرقية لقناة السويس وكان الصهاينة
يتعمدون تقبيله والتقاط الصور التذكارية بجانبه، أما ما كان يكدر صفوه
عندما كان الجنود الصهاينة يسبحون في مياه القناة ليقتلوا جنودنا كمدا وألما
إمعانا في قتل الروح المعنوية المصرية، ولكن كان فاروق حمادة علي يقين أنها
لحظات مؤقتة في عمر التاريخ سنمحو عار ذلها عاجلا أم آجلا.
لايسقط حق وراءه مطالب وهاهي اللحظة الفارقة في عمر الوطن التي
ينتظرها المصريون شعبا وجيشا.
السبت السادس من أكتوبر العاشر من رمضان الساعة الثانية ظهرا 1973، كان
فاروق حمادة علي موعد مع القدر فهذا التاريخ لحظة ميلاد جديدة لفاروق
حمادة، الذي ساقه في المقدمة وكانت رتبته مقدم طيار وهي رتبه كبيره في
الحرب، ولكنه أصر علي الاشتراك مع زملائه لرفع روحهم المعنوية، فطار
وحارب وصال وجال واشترك في جميع الطلعات والمهمات التي أوكلت إليه
وكالعادة نفذها النسر المصري بنجاح منقطع النظير.
قام فاروق حمادة بعمل 32 طلعه جوية منذ السادس من أكتوبر وفي يوم21
أكتوبر طلبت منه القيادة القيام بطلعة صعبه وخطيرة وهي الدخول وسط
الثغره بدفاعتها الجويه الحصينة لضرب خزانات الوقود للعدو في أبو رديس
لقطع إمدادات الوقود عن الثغره.
بدأ البطل المقدم طيار ممدوح الملط بشرح المهمة وبتلقين غايه في الخبره
والحنكة وقال: حانطلع بأربع طائرات
أنا معايا ملازم أول نجيب وأنت يا
فاروق معاك النقيب حسن محمد حسن”.
وأقلعت الطائرات الأربع باتجاه الثغره وبدأ النسور الأربعة بالهجوم والعدو في
حيرة من أمره يكتفي بمشاهدة النسور ويتعجب من كفاءتهم وشراستهم في
دفاعهم عن أرضهم وسمائهم فيضربونهم بكل قوة ويمطرونهم
بالصواريخ فيتفادونها حتي نجحوا في مهمتهم ولما هموا بالعودة وبالفعل
نجحوا في الوصول للقاعده، ولكن فوجئوا بكم هائل من طائرات الميراچ
فوق قاعدتهم فكانت معركة أخري غير متكافئة في العدد والعتاد فدخل
ممدوح ومعه نجيب وحسن وبدأوا بالإشتباك فوق القاعده فقرر فاروق
تفطيتهم وحمايتهم.
نجح الأبطال في ضرب ثلاث طائرات ميراچ ونجح فاروق في حمايتهم تماما
بخبرته الكبيره وعلي حين غرة ينطلق صاروخ ليصيب البطل فاروق حمادة
لتسقط طائرته ويسقط معها شهيدا، لكن تظل بطولاته رواية ملحمية ترويها
الأجيال شاهدة علي الدماء الزكية التي دافعت عن الأرض والعرض بكل قوة
وبسالة حتي الرمق الأخير، ليصبح فاروق حمادة أقدم رتبه تستشهد من
الطيارين في حرب أكتوبر.
وفي النهاية لايسعني إلا أن أختم صفحة البطل الشهيد بما كتبه المشير
/ محمد على فهمى في كتابه ( القوة الرابعة ) عن بطلنا فاروق حمادة: بأنه
من قاد المجموعة 82 القتالية التى لقنت العدو الإسرائيلى درسا لن ينساه
و كبدته الكثير من الخسائر”.
زر الذهاب إلى الأعلى