الشكل والمضمون في نص (ريح الهجر ) للشاعرة الجزائرية / سحر القوافي
=================
دراسة نقدية بقلم الأديب / فاروق الحضري **
==========
(ريح الهجر)
للشاعرة / سحر القوافي
__________________
كل الذين أحبهم.. يرحلون
ويدعون صديد الجراح..
ولواعج ومواجع.
وفواجع وأتراح..
وذكريات من رماد..
واغترابا وسهاد..
كل الذين أحبهم.. يرحلون
بلا وداع.. كأنهم الرياح..
لواقح للجراح..
كل الذين أحبهم.. يرحلون
بعدما حفروا أسماءهم
أوجاعهم.. أيامهم..
وخططت بحبري أحلامهم
يرفعون أشرعتهم..
لتذروها الرياح
كل الذين أحبهم.. يرحلون
فيلفني الليل..
وتبعثرني ريح الأسى..
في ربوع الصقيع..
ويسكنني هذا الخوف
هذا القصف.. هذا العصف
هذا الغول الفظيع..
يترسم ظلي..
فالذين أحبهم يرحلون..
في صمت مريع ..
ومن خلفهم.. أنوح..
أبواب الروح مشرعة..
للقر.. للحر..
لسكرات الموت..
للآلام.. لفوضى الظلام..
لخناجر النحر..
كل الذين أحبهم.. يرحلون
فيمتد في الروح الليل البهيم
لحظة القهر.. لحظة الهجر..
ساعة الصمت.. ساعة الموت
قد حل في مهجتي المساء
مثقلا بالصقيع والجفاء
ولم أعد أبصر..غير بدر يحترق
شرره نجوم السماء..
ولم أعد أسمع..
غير صرير القيود..
وسوط الجلاد..
ونشيج الفؤاد..
كل الذين أحبهم يرحلون
انطفأت كل الشموع..
تاهت خطاي في المدى
فمن يهدني طريق الرجوع؟!
من يروي مهجتي.. ؟!
من يعيد إليها الربيع؟!
ويرسم ابتسامة وجه وديع ؟!
من يوصد معابر النسيان؟!
من بوسعه ان يرمم بقايا إنسان؟!
======================
ما أصعب الفراق !! ، يرحل الأحبة ، ويتركون حنينا يكوي الضلوع ، ويدمي العيون ، ويفتت الأكباد والأحشاء.. والشعراء أكثر الناس معاناة وألما عندما يتجرعون لوعة الفراق ومكابدة الشوق والحنبن .. والفراق من السمات البارزة في الشعر العربي على مر العصور لأنه يحول السعادة إلي شقاء كما يقول ابن زيدون :
“حالت لفقدكم أيامنا فغدت سودا
… وقد كانت بكم بيضا ليالينا “
والشاعرة هنا استهلت قصيدتها ببراعة استهلال جذبت العقول والأسماع حيث بينت أن صدى فراق الأحبة مر كالحنظل والقتاد لا يترك سوى الآلام والفواجع والأحزان والذكريات القاسية والعيون التي يجافيها النوم لأنهم رحلوا بعد أن صار حبهم منقوشا كالوشم في القلب حيث رحلوا وصارت الأحلام الوردية هشيما تذوره الرياح حيث تقول الشاعرة :
“كل الذين أحبهم.. يرحلون
ويدعون صديد الجراح..
ولواعج ومواعج..
وفواجع وأتراح..
وذكريات من رماد..
واغترابا وسهاد..
كل الذين أحبهم.. يرحلون
بلا وداع.. كأنهم الرياح..
لواقح للجراح..
كل الذين أحبهم.. يرحلون
بعدما حفروا أسماءهم
أوجاعهم.. أيامهم..
وخططت بحبري أحلامهم
يرفعون أشرعتهم..
لتذروها الرياح”
والشاعرة لم تجن من فراق الأحبة سوى أن صارت حياتها ظلاما ،ودنياها أحزانا مليئة بالهم والغم والبكاء المرير والخوف والرعب لاتجد أمامها الا أشباح الموت تطاردها وخناجر الجراح القاسية تؤلمها ، فتقول :
” كل الذين أحبهم.. يرحلون
فيلفني الليل..
وتبعثرني ريح الأسى..
في ربوع الصقيع..
ويسكنني هذا الخوف
هذا القصف.. هذا العصف
هذا الغول الفظيع..
يترسم ظلي..
فالذين أحبهم يرحلون..
في صمت مريع..
ومن خلفهم.. أنوح..
أبواب الروح مشرعة..
للقر.. للحر..
لسكرات الموت..
للآلام.. لفوضى الظلام..
لخناجر النحر..”
والإنسان إذا تكاثرت عليه الهموم والأحزان ، يرى الدنيا قد أظلمت في وجهه خالية من الجمال ، كما يري الحسن قبحا والماء الصافي كدرا ، والبدر نارا حامية ذات شرر ولا يسمع سوى الصراخ والعويل كأنه يعيش في خراب يجد فيه نعيق البوم والغربان ، تقول الشاعرة :
“كل الذين أحبهم.. يرحلون
فيمتد في الروح الليل البهيم
لحظة القهر.. لحظة الهجر..
ساعة الصمت.. ساعة الموت
قد حل في مهجتي المساء
مثقلا بالصقيع والجفاء
ولم اعد أبصر..غير بدر يحترق
شرره نجوم السماء..
ولم أعد أسمع..
غير صرير القيود..
وسوط الجلاد..
ونشيج الفؤاد.. “
وتختتم الشاعرة قصيدتها بأن كل الأبواب قد أغلقت في وجهها ، وانطفأت كل الشموع ، ووصلت إلى درجة اليأس والإحباط ، حيث تبحث عن شعاع من نور ، وبريق من أمل
تهتدي به وتودع به الآلام والأحزان متسائلة من ينسيها ألم الفراق ويداوي جرحها ويعيد إليها ربيع الأمل ويرسم علي شفتيها ابتسامة مشرقة حيث تقول الشاعرة :
” كل الذين أحبهم يرحلون
انطفأت كل الشموع..
تاهت خطاي في المدى
فمن يهدني طريق الرجوع؟!
من يروي مهجتي.. ؟!
من يعيد إليها الربيع؟!
ويرسم ابتسامة وجه وديع ؟!
من يوصد معابر النسيان؟!
من بوسعه ان يرمم بقايا إنسان؟! “
القصيدة جوهرة في عقد من لؤلؤ عندما تقرأها مرارا وتكرارا تمنحك المتعة ، وتجدها تؤنس الحزين في وحشته ، وتخفف عن المكلوم جرحه وكربته ، والشاعرة واسعة الثقافة جيدة القراءة تستلهم ثقافة الكتابة من كل شئ حولها كما قال ابن الأثير في كتابه ( جوهر الكنز) : ” وعلى كل حال فإن صاحب هذه الصناعة ينبغي له أن يعلم ما تقوله النادبة في المآتم، وما تقوله الماشطة عند جلوة العروس، وما يقوله المنادي في السوق على السلعة “..لذا قد وفقت الشاعرة ونجحت في ترابط الأفكار وتسلسلها بقوة اختيار الألفاظ وصياغة الجمل ذات الدلالة الواضحة حيث تجلت الفكرة لتعبر عن جراح وآلام الفراق والرحيل ، فقد تأثرت بفراقهم ، وشدها الحنين إليهم ، والقصيدة ذات بناء عضوي قوي البنيان حيث وحدة الموضوع المتمثل في مرارة هجر الأحبة وما نتج عنها من أحزان وجراح ، وقد اختارت الشاعرة عنوانا للقصيدة يدل على مضمونها ، ووحدة الجو النفسي وهو الحزن والألم والشوق واللهفة بسبب الفراق ، ووحدة العاطفة في الحزن و الحنين لفراق الأحبة ، وجاء الخيال في القصيدة متنوعا ببن كلي وجزئي( فالكلي) رسمت الشاعرة لوحة فنية جميلة منسقة وعناصرها المتنوعة تظهر في اللون ” الليل..حبر.. البهيم.. الجراح..المساء ” ، والحركة في “يرحلون.. خططت .. تبعثرني” والصوت في “القصف ..العصف..صرير ” و ( الخيال الجزئي ) في الاستعارة والتشبيه والكناية التى توحي بالتجسيم و التوضيح والتشخيص ..والموسيقي في النص خفية و جميلة وعذبة تطرب القلوب والأسماع ، وقد نوعت الشاعرة بين الأسلوب الخبري و الإنشائي بهدف التوضيح وجذب الانتباه.. شكرا للشاعرة وإلى مزيد من التألق في سماء الإبداع..
======================
**الأديب / فاروق الحضري شاعر من جمهورية مصر العربية