“إن الشعب الذى بنى الأهرام إجلالًا للموت، قادر على بناء السد هرمًا جديدًا، تقديرًا وتكريمًا للحياة”.. تلك الكلمات كانت تعبيرًا عن حلم راود الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لبناء أكبر سد مائي يحفظ حق مصر الاستراتيجي من مياه النيل، وبات الحلم ملحمة سطرها الشعب منذ نصف قرن.
ففي مثل هذا اليوم 15 يناير 1971، منذ خمسون عاما، افتتح الرئيس الراحل محمد أنور السادات مشروع السد العالي بأسوان، والذي قد أسسه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، واكتمل بنائه في 21 يوليو 1970.
ورغم مضي خمسين عاما على افتتاح السد العالي، فإن المصريين لايزال يحتفلون بهذه الذكرى التي كانت تمثل ملحمة بناها 34 ألف عامل، غير أنه مع مرور الأعوام قد يواجه السد العالي عدة تحديات تؤثر على توليد الكهرباء منه، جراء سد النهضة الإثيوبي.
◾ أهمية السد العالي
يعد السد العالي أحد أهم المشاريع الهندسية في تاريخ مصر، وهو يقع على نهر النيل، إذ يبلغ طوله 3600 متر وارتفاع يصل لـ111 مترًا، ويصل عرض قاعدة السد لـ40 مترا، ويبلغ حجم جسم السد 43 مليون متر مكعب من الأسمنت والحديد ومواد أخرى.
ويحتوي السد العالي على ثالث أكبر خزان في العام، ويُستخدم لتوليد الكهرباء، وساعد بناؤه في التحكم على تدفق المياه والتخفيف من آثار فيضان النيل، وقلل خصوبة نهر النيل، إذ يمكن أن يمر خلال السد تدفق مائي يصل لـ 11.000 متر مكعب من الماء في الثانية الواحد
وعند مخارق أنفاق السد توجد محطة الكهرباء، حيث يتفرع كل نفق إلى فرعين مركب على كل منهما توربينة لتوليد الكهرباء، بعدد 12 توربينة قدرة كل منها 175 ميجاوات وبطاقة إجمالية للمحطة قدرها 2100 ميجاوات، فيما تبلغ الطاقة الكهربية المنتجة 10 مليارات كيلووات / ساعة سنويًا.
ووفر السد العالي لمصر رصيدها الاستراتيجي في المياه، بعد أن كانت مياه النيل من أشهر الفيضانات تذهب سدى في البحر المتوسط، عدا 5 مليارات متر مكعب يتم احتجازها، وفقا للتقارير دولية.
◾ إنشاء السد
ترجع فكرة إنشاء السد العالي إلى بعد اندلاع ثورة يوليو 1952، وذلك لأن سد أسوان الذي يعود إنشائه إلى عام 1899 بسعة تخزيينية قدرها مليار م3، وتم تعليته مرتين عام 1912 و1934 ليخزن 5 مليار م3، لم يحقق الهدف المنشود منه، نظرا لأن متسوط الإيراد السنوي 84 مليار م3، وفقا لما ذكره دكتور عباس الشراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة.
وعندما قامت ثورة يوليو 1952 فكرت الحكومة المصرية في رفع السد للمرة الثالثة أو بناء سد جديد في مصر أو خارجها، وكانت هناك أفكار مشروعات عديدة للتخزين القرنى في البحيرات الاستوائية أو فى السودان، واستقر الرأى على إقامة السد العالي على بعد 7 كم جنوب سد أسوان القديم، حتى لا تصبح مصر رهينة لمشروعات مائية موجودة خارجها.
وخطط لبناء السد العالي المهندس المصري اليوناني أدريان دانينوس، إذ تقدم بمقترح إنشائه في نهاية سنة 1952م إلى مجلس قيادة الثورة ، فبدأت دراسات إنشاء السد العالي في 18 أكتوبر 1952، وفي أوائل عام 1954 عرضت شركتان ألمانيتان هندسيتان تصميمًا للمشروع.
وأقرت لجنة دولية تصميم دانينوس في ديسمبر 1954 بعد مراجعته، وانطلقت أعمال بناء السد في عام 1960، بتكلفة إجمالية بلغت مليار دولار، وبتمويل روسي بلغ نحو 450 مليون جنيه، وبمشاركة 400 خبير سوفيتي، ومشاركة 34 ألف عامل مصري.
وفي 9 يناير 1960 وضع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر حجر الأساس في السد العالي، لتنطلق المرحلة الأولى التي تم فيها تحويل مجرى النيل، واستمرت 4 سنوات، حتى تم غلق مجرى نهر النيل القديم، وإنشاء الأنفاق ومحطة الكهرباء، ودخول المياه في مجرى التحويل الجديد.
وبدأ السد العالي في تخزين المياه عام 1964، واكتمل بناء السد العالي عام 1968، وثبت آخر 12 مولد كهرباء في 1970، وافتتحه رسميا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في يناير عام 1971.
ولبناء السد، تم نقل ما يقرب من 22 معبدًا ومقبرة، خلف السد العالي، فيما اشتركت 60 بعثة أثرية من جميع أنحاء العالم في عمليات النقل، وكان أشهر المعابد التي نقلت هو معبد أبوسمبل، فيما كان آخر معبد تم نقله هو معبد فيله، الذي تم الانتهاء من نقله في عام 1980.
◾ بحيرة ناصر
المياه المحجوزة أمام السد العالي، تكون بحيرة صناعية كبيرة (بحيرة التخزين) طولها 500 كيلومتر، ومتوسط عرضها 10 كيلومترات، وسعة تخزينها الكلية تصل إلى 162 مليار متر مكعب، منها 30 مليارمتر مكعب لاستيعاب الطمي، بعد استمرار رسوبه لعدة قرون، و37 مليار متر مكعب لمواجهة الفيضانات العالية.