إعداد دكتور سعد
تكمن قصة الرجل الصالح ،وسلوكه مع الكلب في ، حيث الرسول صلى الله عليه وسلم ،
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «بينا رجل بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يا رسول الله:وإن لنا في البهائم لأجراً.فقال:في كل ذات كبد رطبة أجر»
المقصد من القصة:
هذا الحديث استخدم فن القصة في توضيح قيمة خلقية بعيدة عن عناية الناس ، وهي الرحم بالحيوانات والبهائم كبيرها وصغيرها ، فمهَّد لها بقصة هذا الرجل ، وهو إنسان قد أثَّرت فيه الأخلاق الفاضلة واستجاشت قلبه عوامل الرحمة ، فاستجاب قلبه استجابة خالصة لا مجال للرياء فيها ، وليس للغرض الشخصي مطمح وراءها ، ذلك أنه كان يمشي بطريق بعيدة عن الناس والمدن،
عطش كثيراً ثم وجد بئراً فنزل إليها وشرب وخرج ، ولا شك أنه في هذا النزول والصعود قد تعب كثيرا ، وإذ المفاجأة تجعله يرى فور خروجه كلباً يأكل الثرى من شدة العطش ، لأن في التراب رطوبة تخفف من شدة العطش ، وهذا يعني أن العطش قد بلغ مبلغه من الكلب..
وهنا قال الرجل عندما رأى هذا المشهد: « لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني». ولم يكن معه إناء ، فنزل إلى البئر ونزع خفه ، وملأه ماءً وأمسك الخف بفيه حتى صعد البئر ، وهنا تظهر حذاقته وإنسانيته بما فيها من تواضع وما فيها من رحمة ، حقاً إنه رجل قد بلغت به الرحمة الإنسانية مبلغاً عظيماً حتى فعل ذلك كله بمحض الإخلاصوالرحمة والشفقة ، ولم يطلب على عمله مطمعاً من أجر أو شكر أحد من الناس ، أو سمعة عندهم ، فأثنى الله تعالى عليه بأن ذكره بين الملائكة ورفع من شأنه ، لأنه قام بعمله خالصاً لوجه الله تعالى لا تشوبه شائبة الرياء فاستحق هذا الرجل التشريف: فشكر الله تعالى له فغر له ذنوبه لإسدائه الجميل لحيوان أعجم.
وهنا وصلت القصة إلى غاية التأثير الذي يقصد من سياقها إذ إن السامعين تشوقوا لمعرفة هذا الفضل ، هل هو خاص لهذا الرجل فقط أم عام لكل أحد يفعل مثل فعله ؟؟ فانطلقوا يسألون: « وإن لنا في البهائم أجراً ؟ » يعني هل هذا الأجر خاص بالرجل أم يشمل غيره من الناس؟ وهذا يعني أن الرغبة بعمل مثل ما قام الرجل بعمله قد تحققت، فما تمالكوا أنفسهم إلا وسألوا: « وإن لنا في البهائم أجراً ؟ ».
والبهائم: كل ما يدن على أربع ولكن الحديث عمّم ووسّع ، أن هذه الفضيلة لهذا العنصر الإنساني ليس خاصاً بذلك الإنسان ، بل ليس خاصاً بهذا الحيوان أو البهائم ، ولكنه فضل وثواب يعطى لكل إنسان يُسدِى معروفاً لكائن حيّ على وجه هذه البسيطة.
« في كل كبد رطبة أجر»: أي في كل كائن حيّ ، لأن وجود الكبد الرطبة علامة على الحياة ، والكلام على تقدير محذوف أي: « في كل ذات كبد رطبة أجر» وثبت ذلك في البخاري ، والكبد أول عضو يتأثر بالعطش ، فإذاً ليس ذكر الكبد للتقييد ، وإنما هذا من باب الكناية أطلق اللازم وأراد الملزوم ، فالكبد لازم من لوازم الحياة.