الدنيا لا تصفو لمخلوق دون تعب
الدنيا لا تصفو لمخلوق دون تعب
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
إن سعادة القلب، وسكينة النفس وراحة البال، وقرة العين أعظم ما يسعى إليه كل إنسان في هذه الحياة، وهو مطلب من أهم المطالب التي يتمناها جميع الخلق، ورغبة كل إنسان عاقل ، ووضح لنا الله عز وجل أثر حياة القلب على سعادة الإنسان في الدنيا وبعد الممات ، وصلاح البال وراحته، وتيسير الحال، وتحصيل السعادة والسكينة والطمأنينة مِن المطالب التي يجتمع عليها جميع الخلق، وهذا المطلب هو مِن نعم الله على العبد .
وقد وضح الإسلام الأسس والقواعد التي تقوم عليها حياة القلب وسعادته، فمن أخذ بها وطبقها منحه المولى السعادة الحقة والحياة الطيبة المطمئنة، وإن كان فقير الحال، ومن لم يطبقها أو تغافل عن أسبابها واعرض عن مقوماتها شقي وأصابه الحزن والكمد والقلق وإن كان ثريا وغنيا وقويا .
وإن المسلم إذا أنعم الله عليه بنعمة من زيادة مال ورزق وولد زاده شكرا وذكرا لله، ودعاه ذلك إلى المحافظة على ما أنعم الله عليه من خلال الطاعة والإحسان، وإذا ابتلاه الله بفقد عزيز أو وظيفة أو مال صبر وعلم أن ذلك ابتلاء من المولى ليمتحن صبره وعبوديته ، وهذا هو الفلاح ، هذا هو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب وطوبى لمن هُدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا، وقنع” فتصور لو أن إنسانا لديه أموال كثيرة ويحرص على أن يزيد هذا المال، ما اقتنع؛ لأنه يشعر في نفسه أنه في حاجة وفقر .
ولذا لا يكون الإنسان قنوعا إلا إذا شكر الله سبحانه وتعالى على حالته وعلى ما هو فيه من العيش، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة رضي الله عنه بوصايا ، فقال: “يا أبا هريرة، كن ورعا تكن أعبد الناس”، “وكن قنعا تكن أشكر الناس”.
وإن من أعظم مقومات سعادة القلب وحياته هي الإيمان الصادق واليقين الجازم بالله وبرسوله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره ، وإن من ثمرات الإيمان بالله واليوم الآخر أن المسلم يسير وفق هدى وبصيرة ونور وعلم وبينة، فهو يعلم من أين جاء وإلى أين المصير، وما هو الغاية من خلق الجن والإنس ، ومن مقومات الإيمان الصبر عند الضراء، والشكر على السراء فيقابل المسرات والنعم بالشكر للمولى فلا يبطر ويتذمر، ويقابل المصائب مهما كانت شديدة أو قوية بالصبر والتضرع والتوكل فلا ييأس أو يقنط .
وسبب بلائنا أننا ننظر إلى الغير مع أن لدينا خيرا عظيما، لكن بعضنا ينظر إلى ما في يد الآخرين فلا يقنع بما لديه، ومن ثمَّ لا يشكر هذه النعمة التي بين يديه، والتي حُرم منها أناس آخرون، فقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم”، لِمَ؟ “فإنه أحرى ألا تزدروا نعمة الله عليكم”، فاذا كان عندك نعمة، إذا رأيت ما في يد الغير ولم تقنع بما في يدك لم تشكر الله سبحانه وتعالى وحقرت هذه النعمة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ”، يعني قليل المال، “ذو حظ من صلاة، أحسن عبادة ربه، وأطاع ربه في السر، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك، ثم نفض يده”، مبينا أن هذا الرجل مغمور في الناس لا يُعرف مع أنه عند الله له قدر عظيم .
فما هو عيش النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؟ حتى نقنِّع أنفسنا، وحتى ندرك ونعلم أننا بخير وفي خير، فتقول السيده عائشة رضي الله عنها لعروة بن الزبير رضي الله عنهما “ابن أختي، إنا آل محمد لننظر إلى الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، ما يوقد في بيت آل محمد نار”، في جميع بيوت النبي صلى الله عليه وسلم! فقال: يا أُماه! ما طعامكم؟ قالت: “الأسودان: التمر، والماء” . رواه البخارى وسلم
وتقول السيده عائشه رضي الله عنها “ما أكل آل محمد في يوم أكلتين إلا كانت إحداهما تمرا” وتقول أيضا عائشة رضي الله عنها “لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز وزيت في يوم مرتين” . رواه مسلم .
وقد طغت موجة من الماديات على قلوب المسلمين قطعت صلتهم بالله، وتعلقهم به، فابتعدوا عن كل مظاهر العبودية والالتجاء الصادق إلى الله، حتى وصلوا إلى ما نراه من حيرة وقلق واضطراب ، وبعد أن كنا نسمع عن حالات الانتحار والتخلص من الدنيا بالشتائم واللعنات في بلاد تنكرت لدين الله وآمنت بأنه لا إله والكون مادة بدأنا نرى ونسمع عن حالات الانتحار في بلاد القرآن والإيمان والتنعم بالصلاة والإحسان ولا سبيل للخروج من هذا المأزق إلا بالتزام العبودية لله تعالى، والتحرر من عبودية الوثنيات والشهوات على اختلاف أشكالها وأنواعه .
من آثار الإيمان بالله واليوم الآخر على القلب قناعته بما أمده الله من عطاء ورزق وعافية، فالمسلم شأنه أن يرضي بما في يده ولا يتطلع إلى ما عند الآخرين من مال وجاه وخدم وبيت فيصاب بداء الوسواس، وربما بالحسد والحقد والأنانية والطعن في الآخرين، ومن ثم التسخط من المقدور والمقسوم ، ولا شك أن الإنسان في هذه الحياة الدنيا يمر بكثيرٍ مِن الابتلاءات والمحن في النفس أو الأهل أو المال أو غير ذلك .
والدنيا لا تصفو لمخلوقٍ دون كدرٍ أو تعبٍ، وفي خِضَم أحداث الحياة المتلاحقة، يبحث المرء عن راحة البال وصلاح الحال وطيب النفس ، ولنعلم أن الراحة الحقيقية الأبدية هي في جنة الله عز وجل وقد سٌئل الإمام أحمد ؟ متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة .