الدكرورى يكتب عن حرب الفِجار
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
قيل أنه إن الرجل إذا أراد أن يفسد تاريخ الإنسانية، يكفيه بند واحد وخطيئة واحدة اسمها الحرب، وإن أشق الحروب هى حرب الإنسان مع نفسه، ويجب أن يكون هدفنا الأساسي هو منع الحروب، وعندما نفشل في ذلك ، يجب علينا أن نحمي ونساعد الضحايا الأبرياء، ويوم الفِجار هو أحد أشهر أيام العرب وحروبها في الجاهلية، وقد سُمّيت بحرب الفِجار لأن العرب قد فجروا في القتل، أي أسرفوا فيه واستحلوا الحرمات، ويقال أيضا لأن الحرب وقعت في الأشهر الحرم وهو ما كان محرما عند العرب القتال فيها.
ويقال إنها وقعت بعد عام الفيل بعشرين عاما، ويقال بعد وفاة عبد المطلب باثنتي عشرة سنة، وقد وقعت في أربع جولات، فالفجار الأول كان بين كنانة وهوازن، والثاني بين قريش وكنانة، والثالث بين كنانة وبني نضر بن معاوية ولم يكن فيه قتال كبير، والأخير بين قريش وكنانة كلها وبين هوازن، وكان بين هذا الأخير ومبعث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، خمس وعشرون سنة تقريبا، وقد شهد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الفجار الأخير.
وكان سبب حرب الفجار، هو أنه كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة يبعث كلَّ عام لطيمةً، أي قافلة من الإبل محملة بالحرير والطيب والمسك للتجارة، له لسوق عكاظ، وبينما هو في مجلسه ذات يوم، وكان في مجلسه رجلين بارزين أحدهما هو البراض بن قيس بن رافع الكناني، وقد كان رجلا خليعا فاتكا قد خلعه قومه، وأما الثاني فهو عروة بن عتبة بن جعفر المعروف بالرحالة من قبيلة قيس، وقد سُمّي بالرحال لكثرة ترحاله مع الملوك، وقال النعمان من يجيز لطيمتي هذه حتى يُبلِغَها عكاظ أي يحميها من قطاع الطرق؟
فردَّ عليه البراض: أنا أُجيزها على كنانة، فقال النعمان: أريد من يُجيزها على كنانة وقيس؟ فقال عروة: ويحك أكلب خليع يجيزها لك ويقصد البراض، أنا أجيزها لك على أهل الشيخ والقيصوم، وهذا مثلا يضرب يقصد به أنه يحميها من كل العرب، وساق عروة بالإبل وانطلق إلى سوق عكاظ فتبعه البراض، وفي غفلة من عروة انقضّ عليه البراض وقتله بالقرب من عكاظ، وساق البراض الإبل إلى عكاظ، وكانت كل القبائل العربية تجتمع في سوق عكاظ لتبادل المنفعة.
فلما قتل البراض عروة بعث رجلا من بني أسد بن خزيمة إلى كنانة في سوق عكاظ ليخبرهم أن البراض قد قتل عروة الرحال، ويحذرهم من قبيلة قيس، فلما وصلت أنباء قتل عروة إلى عكاظ انطلقت كنانة إلى مكة لتحتمي داخل الحرم فتبعتها قيس، وكان القتال في الحرم معظما عند العرب حتى في الجاهلية، فتواعد القبيلتان أن يقتتلوا، وقالت قيس: إنا لا نترك دم عروة وموعدنا عكاظ في العام المقبل، ويقال إن القتال وقع بينهم في الأشهر الحرم وهذا من أسباب تسميتها بحرب الفجار، وقد دام القتال بينهم خمس أو ست سنوات.
وكانت الغلبة في الجولة الأولى لقبيلة قيس، ثم استنجدت كنانة بقريش، فكانت الغلبة لكنانة وقريش، فكان رئيس بني هاشم هو الزبير بن عبد المطلب ومعه إخوته أبو طالب وحمزة والعباس وابن أخيه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان على بني أميّة حرب بن أميّة، وله القيادة العامة لمكانه في قريش شرفا وسنا، وهكذا كان على كل بطن من بطون قريش رئيس، ثم تناجزوا الحرب، فكان يوما من أشد أيام العرب هولاً، ولما استُحِلّ فيه مِن حُرمات مكة التي كانت مقدسة عند العرب سمي يوم الفِجار.
وظلت الحرب بينهم حتى تدخّل أحد الشباب القرشي وهو عروة بن ربيعة، فأتاهم ذات يوم وهم يقتتلون وقال لهم: على ما تقتتلون؟ فالتفتوا إليه وقالوا: ماذا تريد؟ فقال عروة: أُريد صلحا، قالوا: وما الصلح؟ قال عروة: نفتدي قتلاكم، أي يدفعوا لهم الدية، ونعفو عن قتلانا، فاصطلحوا على أن يعدّوا القتلى من الجانبين، فعدّوا القتلى فوجدوا أنّ قتلى قيس يزيدون عن قتلى قريش وكنانة بعشرين رجلًا، فترك حرب بن أميّة ابنه أبا سفيان رهينة، كما ترك بعض السادات أبناءهم حتى دفعوا الدية، وبهذا انتهت الحرب ووضعت أوزارها.
ويذكر ابن إسحاق أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قد حضر حرب الفجار، ولكن كانت مشاركته صلى الله عليه وسلم محدودة فلم يُحارب، ولكن أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم الزبير بن عبد المطلب والعباس وحمزة رضي الله عنهما قد شاركوا في تلك الحرب على رأس قبيلة قريش، فاصطحبوا رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لينبل معهم، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” كنت أنبل على أعمامي، أي أرد عنهم نبل عدوهم إذا رموهم بها” ويُقال إنه صلى الله عليه وسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم، بين الرابعة عشر والعشرين من عمره، وقد اختلف العلماء في صحة مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في حرب الفجار، فمنهم من أثبتها كابن إسحاق ونقلها عنه الذهبي وابن كثير رحمهم الله، وكذلك رواها ابن سعد وغيرهم، ومنهم من ضعّفها، وهكذا انتهت هذه الحرب التي كثيرا ما تشبه حروب العرب تبدؤها صغيرات الأمور حتى ألف الله بين قلوبهم وأزاح عنهم هذه الضلالات بانتشار نور الإسلام بينهم.