قال رسولنا الكريم صــلى الله عليه وسلم فأنت قد تستحى أن تطالب بحقك الأكيد من أقرب النـــــــــــاس إليك وإستحياؤك هذا ليس عن ضعف وإنما هو مراعاة لصلة الــــدم بينكمـــــا وهل هناك صلة أقوى من صلة الدم :
ذلك هو سيف الحياء الذى يشعر به الكثيرون منا ويتألمون فــــى قـــــرارة نفوسهم بحيائهم فى طلب الحق ولكنهم فى نفس الوقت يتلذذون بهــــــــذا السيف ويكون كالبلسم على رقابهم ما داموا لن يخسروا ذوى قربـــــــــاهم ويكون ذلك الحياء بمثابة القربان لإستمرار صلة الرحم :
هذا ما عايشته فى قصة صاحبى عبدالرحيم الذى نشأ فى أسرة كريمـــــــــة وكان أبوه ثرياً يدير أعمالاً وأصولاً كبيرة ولم ينجب غير ولـــــــــد وحيد وأخوات بنات ذات يوم نصحه المحاسب الذى يتعامل معــــــه بأن ينشىء شركة صورية بين ولده الوحيد عبدالرحيم وكبرى بناته على أن يكــــــون معروفاً للجميع أن الشركة صورية وأن الهدف منها تقسيم الأربــــــاح على عدد من الشركاء فتنخفض بالتالى قيمة الضرائب المستحقة عليها
يقول عبدالرحيم : فجأة انتقل والدى إلى رحمة الله وكنت صغير الســــــــن فقمت بإدارة أعمال أبى بوصفى ابنه الذكر الوحيد وأقمن شقيقاتى ضـــدى دعوى بعدم أهليتى لإدارة التركة لصغر سنى وقلة خبرتى وانتهى الأمـــــر بتعيين حارس قضائى على التركة والثروة وحين بلغت الســــــن القانونية أقمت دعوى لرفع الحراسة وباشرت إدارة أموال الأسرة ولكن بعد أن كانت نفسى قد شابتها بعض الشوائب والمرارات تجاه شقيقاتى ورحت أديـــــــر العمل وأتعلل بمختلف الأسباب لعدم توزيع التركة عليهن ولا أعطيهن أيضاً من حقوقهن من الإيراد إلا قليلاً وهن لا حيلة لهن معى ولا سبيل أمامــــهن إلا التسليم لى راضيات أو ساخطات وحدث بعد ســـنوات أن توفيت والدتى وتركت ميراثاً آخر فرحت أتباطأ أيضاً فى توزيعه عليهن ومضت السنون تجر السنون وأنا على هذه الحالة وقد تزوجــــــت وأنجبت البنين والبنات وأعيش أنا وزوجتى وأولادى فــــــــى رغد من العيش بينما شقيقاتى يعشن على الكفاف وشظف العيش إلى أن كنت ذات يوم وأنا فى كامل صحتى وعافيتى وحيويتى وإقبالى على الحياة فإذا بى أشعر فجأة بألم كأنه طعنة سكين حادة فى صدرى من الناحية اليسرى وفى ذراعى وفى كتفى وكانت محنة أ ُصِبتُ فيها بجــــــــلطة فى القلب وعشت فترة عصيبة بين الحياة والموت فبدأت يــــا صاحبى استيقظ لأول مرة من غفوتى بل غفلتى واتنبّه إلى ما أنا فيه من حـــــــال أخشى أن أواجه بها رب العرش العظيم
وقررت بينى وبين نفسى أن أرد المظالم إلى أصحابها وأعطى كــل ذى حق حقه لأنى لا أريد أن أخسر دنياى وآخرتى ولا أريــــــد أيضاً أن أفقد أواصر القربى بين ذوى الرحم وقمت بتنفيذ ما نويت عليه بعـــد أدائى العمرة إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر أشرف الخـلق صلى الله عليه وسلم الذى انسكبت عنده دموع الندم على ظلمى لشقيقاتى وبعد عودتى مباشرة اجتمعت مع شقيقاتى وأعطيتهم حقوقهن كاملة وهــن غير مُصدقات ما يجرى أمامهن تلك كانت قصة صاحبى عبدالرحيم وقد شكرته كثيراً على قراره الحـــــــكيم وقلت له خيراً فعلت يا أخى لأن ما سُلب أو أ ُخذ بسيف الحياء لا يــدوم ولا تظهر بركته وأنت بفعلتك هذه قد طهـــّرت أموالك من شبهة الحرام وإغتصاب حقوق أقرب الناس إليك وشقيقاتك فى الواقع غلبهن حيـــائهن منك فى المطالبة بحقوقهن كاملة وفى نفس الوقت كانت قلوبهن تدمــــــــى وتدعى عليك بغير أن تنطق فالتعبير الواقعى الظاهر لظلمك لهـــــــــن كان واضحاً وحتى لا يخسروك وتنمو بذور الخِــــــــلاف والضغينة بينكم آثرن السكوت القهرى على ظلمك لهن وتأكد يا صاحبى أن المولى راض ٍ عنك لإنتباهك من غفلتك قبل فوات الأوان يوم لا ينفع الندم ولله دُر القائل :
من يرحم الخلق فالرحمن يرحمه ويـــرفع عنه الضــــر والبـــاســا ففى صحيح البخارى ورد مفصّلاً لا يرحم الله من لا يرحم النــاس.