الحلقة الثانية والعشرون من رواية أين حبيبي؟
للكاتبة: أماني عاالله
تزايد انشغالها بمرور الوقت خاصة عندما تغيب عن طاولة الغداء، سوزان أيضًا لم تظهر، هل ذهبا معًا إلى مكان ما؟ اسـتأذنت مراد وذهبت للبحث عنهما في كل مكان من دون جدوى
هل يعقل أن يكونا في الغرفة الخاصة بها هى وخالد؟ ستكون خيانة لن تسمح بمثلها أبدًا …
فتحت باب الغرفة بعنف، أغمض عينيه ما أن شعر بها.. كيف تقول سوزان بأنها تعشقه ؟! إن كانت تعشقه بالفعل ما كانت انتظرت كل هذا الوقت لكى تلحق به.. ولكن ما الذى يهمه من أمرها ؟!
دارت عيناها في الغرفة وتنفست الصعداء قبل أن تجلس على فراشه حيث رقد متظاهرًا بالنوم، وضعت يدها فوق جبهته بحنان هامسة :
– خالد.. خالد.. هل أنت بخير ؟
فتح عينيه في تمهل قائلًا :
– نعم.. كم الساعة الآن ؟
– حان وقت الغداء.. نحن ننتظرك
– لا رغبة لى في الطعام.. اذهبى أنت وتناولى طعامك
– لن أذهب بدونك ، سوف أحضر الغداء إلى هنا
– أخبرتك أن لا رغبة لى في تناول الطعام
– هل أنت غاضب منى ؟
تأمل اهتمامها فى شيء من الحيرة، إنها دائمًا تهتم به وتسعى لنيل رضاه.. بغض النظر عن تحديها له فى الفترة الأخيرة.. لن ينسى أبدًا أنها كانت على استعداد للتضحية بحياتها والبقاء معه عاجزًا عندما تخيلت هذا يوم زفافهما، بل أخبرته أيضًا بأن الأمر لا يعنيها وبأنها لن تخبر أحدًا بعجزه ولا حتى والدته
لم تخبره بعشقها لآخر إلا بعد أن أخبرها هو بعشقه لسوزان، هذا الآخر المبهم الذى يبدو وكأنها هى أيضًا لا تعرف عنه شيئًا، أيعنى هذا بأن سوزان كانت محقة فيما توصلت إليه، هل ملك تعشقه هو بالفعل ؟
سألها فجأة :
– هل تريدين العمل كراقصة ؟
– كلا بالطبع
– لماذا أرسلت لى هذا الرجل إذًا ؟
– كنت أمزح ليس إلا
– مزاحك سيء
– ليس أسوأ من توبيخك المستمر لى
– توبيخى لك بسبب أفعالك الطائشة التى لا تنتهى
– كل ما أفعله أنما لجذب انتباهك نحوى
عضت على شفتيها عندما ضاقت عيناه ولاح ظل ابتسامة فوق شفتيه قائلًا :
– ولماذا تريدين جذب انتباهى نحوك؟
نهضت مسرعة وهمست في تلعثم :
– لم تخبرنى بعد، هل ستتناول طعامك هنا أم في القاعة ؟
يبدو أن توقعات سوزان صحيحة بالفعل، لا يدرى سر السعادة التى شعر بها وهو يرى وجهها الذى تخضب احمرارًا وارتباكًا، كان من المفترض أن يحدث العكس، كان من المفترض أن يغضب ويتفاقم إحساسه بالذنب والقلق، عشق ملك له سيجعل الأمور أكثر تعقيدًا …
جذب الغطاء فوق وجهه قائلًا في حسم :
– اذهبى يا ملك، لا رغبة لى في تناول الطعام
صاحت غاضبة :
– مراد كان محقًا.. أنت معقد بالفعل
كم كان يود لو تجاهل الأمر وكأنه لم يسمعها، ولكنه عاد ليزيح الغطاء عن وجهه قائلًا :
– فيما كنتما تتحدثان كل هذا الوقت ؟
– هل يزعجك الأمر ؟
– ما يزعجنى هو عدم معرفتك بـ مراد جيدًا
– اطمئن إذًا.. مراد أخبرنى كل شئ عن نفسه
– أحقًا.. وبماذا أخبرك ؟
– أخبرنى بأنه غير راض عن حياته السابقة، وبأنه سيبدأ من جديد، وأنا سوف أساعده على ذلك بكل ما أستطيع
قال ساخرًا :
– وكيف سيكون هذا يا آنسة ملك، ربما تتوقعين منى أن أنتج له فيلمًا على نفقتى الخاصة حتى يقوم فيه بدور البطولة المطلقة ويتخلص من لعنة الكومبارس التى حصروه فيها، أو لعلك تفكرين في مشاركته برقصة مجنونة كما فعلت مؤخرًا..!
قالت تستفزه :
– وكيف أرقصها مجددًا بعد أن مزقت جلبابى بوحشية ؟!
– تمزيق جلبابك أهون كثيرًا من تمزيق وجهك يا ملك
ساد الصمت بينهما وهما يحدقان ببعضهما البعض فى ترقب ، لماذا لا يخبرها بأنه يغار بل ويجن لأجلها، لماذا لا تخبره بأنها رقصت فقط من أجله وحده وبأنها لم تكن ترى سواه من بين كل الحضور ؟
***
– ملك.. أنت لم تتناولى شيئًا حتى الآن، أما زلت تشعرين بالذنب ؟
– كلا.. كل ما في الأمر هو أننى لست جائعة
أردفت بسرعة ربما كان فضولًا منها، وربما محاولة لتغيير الموضوع :
– أين سوزان.. ؟
– ذهبت لمصفف الشعر
– هنا.. فوق سطح الباخرة ..!
– نعم، وما المشكلة.. ألم تفعلى أنت هذا بالأمس ؟
تظاهرت بتقطيع طعامها صامتة، ذهبت إذًا لتعيد صبغ شعرها الأشقر المزيف الذى بدأت جذوره الداكنة تفضحها، والله أعلم ما الذى ستفعله أيضًا، من سيقوم بدفع تكلفة كل هذا التبرج؟ إنه خالد بالطبع، هى تبذل كل جهدها حتى لا تتحامل في مصروفاتها عليه بينما هذه الأمريكية تتفنن في إهدار نقوده كلما أمكنها ذلك !
– أنا أيضًا سوف أذهب لأغتسل وأحلق ذقنى، نلتقى على العشاء .. اتفقنا ؟
– اتفقنا
مضى مراد وتركها شاردة لا تدرى ما تفعله، راحت تعبث بمحتويات طبقها ولكنها لم تجد شهية لأى منها، واتتها فكرة مجنونة في أن تأخذ طعامها وتذهب إليه، ولكنه ربما كان نائمًا.. سوف يتهمها بالإزعاج من جديد وربما ساءت حالته أكثر، ولكنه لا يبدو مريضًا.. فلماذا يصر على البقاء في حجرته، أتراه تشاجر مع سوزان.. ولكن …
زفرت بضيق قبل أن تنهض وتغادر الطاولة، عليها أن تجد شيئًا يخلصها من هذه الأفكار التى كادت أن تفتك بها، اقتربت من تجمع نسائى كبير إلى حد ما.. تعرفت على حنان من بينهن، كانت في حاجة للتحدث مع أحد حتى تهرب من إحساسها القاتل.. من تلك الحيرة التى كادت تقودها للجنون، صافحت حنان بحرارة وهتفت في تساؤل :
– ما الذى تفعلينه هنا ؟
– أهلًا ملك، إحدى صديقاتى سوف تشارك في السباق
– أى سباق ؟
– سباق السباحة.. كان من المقرر أن يكون غدًا ولكن يبدو أنهم سوف يضطرون إلى تأجيله
بدت على وجه ملك البلاهة فهى لا تدرى شيئًا عن هذا السباق، ربما كان من العادات الشهيرة في الرحلات على متن هذه البواخر، بماذا ستتهمها هذه الطبقة المتغطرسة إذا اعترفت بأنها المرة الأولى التى تسمع عن مثل هذه السباقات؟ بل أنها المرة الأولى التى تبحر فيها على الإطلاق ..
غمغمت بأقرب ما توارد إلى ذهنها حتى تنفى عن نفسها كم الجهل الذى شعرت به
– ولماذا التأجيل ؟
– لقد أصيبت إحدى المتسابقات في ساقها أثناء التدريب أمس ولن يمكنها المشاركة غدًا
– لماذا لم تشتركى أنت أيضًا ؟
– أنا.. !
– ألا تجيدين السباحة ؟
– بلى.. ولكننى لا أحب المغامرة
– لا يوجد أجمل من المغامرة
– رائع، لماذا لا تغامرين أنت إذًا ؟
– ماذا تقصدين ؟
– إن كنت تجيدين السباحة.. يمكنك المشاركة في السباق
تطلعت ملك مستنكرة إلى المتسابقات من حولها، كن يرتدين زيًا موحدًا.. لباسًا للبحر صغيرًا من قطعتين بالكاد يستر عورتهن.. يا له من زى يدعو للخجل وبرغم هذا وقفن يضحكن في لا مبالاة وكأنهن يتباهين بأجسادهن العارية، حدقت في حنان قائلة :
– هل تريديننى أن أرتدى هذا المايوه ؟
– ولمَ لا.. أنت تمتلكين قوامًا رائعًا فلماذا تخشين المواجهة ؟
غمغمت في تهكم :
– أخشى المواجهة !
أردفت بعد قليل وهى تهز رأسها فى إصرار :
– يمكننى أن أشارك في السباق ولكنى لن أرتدى هذا الزى أبدًا
– إذا ارتديت شيئًا مختلفًا عن الأخريات سوف تجذبين الانتباه إلى جسدك بالأكثر
– حسنًا دعك من هذا الأمر، كان من الخطأ التفكير فيه منذ البداية
غسلت وجهها مرة أخرى وعادت تجرب لونًا جديداً من المساحيق.. خففته بالمنديل حتى يبدو طبيعيًا كما علمها خالد من قبل، سوزان أيضًا تفعل هذا.. شكلها الآن أفضل كثيرًا، هل كان يجب عليها الاستعانة بـ حنان مرة أخرى.. حنان غاضبة.. اتهمتها بالتخلف والرجعية بعد أن رفضت الاشتراك في السباق حتى لا ترتدى ذلك المايوه الخليع
مشطت شعرها بسرعة، تبدو كالمشاهير في هذه التسريحة الأنيقة.. الأمر أسهل كثيرًا عن ذى قبل.. حنان كانت محقة.. ضفيرتها كانت جميلة ولكنها طالما حصرتها في مظهر واحد، فستانها الأبيض المطعم بالورود الذهبية الصغيرة كان في حاجة لحذاء أفضل.. سوف تشتريه في أقرب فرصة ما أن يصلوا إلى محطتهم القادمة، دارت حول نفسها أمام المرآة وابتسمت راضية، هل سيتأثر اليوم بها أم أنه سيكون يومًا آخر من أيامها الضائعة …؟
استقبلتها الابتسامة الواسعة التى ارتسمت على وجه مراد كالعادة، هو دائمًا أول من يفرح بقدومها ويرضى غرورها وإن كان لا يشبعه، التفتت إلى خالد وابتسمت قائلة :
– تبدو أفضل الآن، يسعدنى أنك ستشاركنا العشاء
تأملها متجهمًا، مراد أيضًا يرتدى سترة بيضاء.. هل اتفقا على هذا.. أم أنه توارد خواطر وتلاقى قلوب؟ .. كلا الاستنتاجين لا يرضيه.. أجابها في اقتضاب :
– أشكرك
ابتلعت ابتسامتها وجلست صامتة وكأن تجهمه قد انتقل إليها، يا الله.. سوزان أيضًا مختلفة تمامًا هذه الليلة.. تضوى بفستانها الذهبى وشعرها الأشقر الذى استعاد رونقه بالصبغة الجديدة، وجهها ازداد نضارة وشبابًا عن ذى قبل، ترى أى نوع من المساحيق تستخدمه لتتوهج هكذا؟ يبدو أن مصفف الشعر الذى ذهبت إليه رائع بالفعل، كانت تظن بأن حنان هى الأفضل على الإطلاق
كلمات معدودة تلك التى تفوهت بها ملك، كانت ردود مقتضبة على عبارات مراد المرحة واطرائه على مظهرها الذى لم تعد تستحسنه كثيرًا بعد أن رأت تألق غريمتها ورونقها.. سوزان التى استأثرت على الحديث بأكمله وكأنها تعوض الصمت الذى طالما تحلت به في الفترات السابقة، كانت سعيدة جدًا هذه الليلة فلماذا هو حزين إذًا؟ هل يفكر في التكلفة الكبيرة التى دفعها لمصفف الشعر ؟
تنبهت لـ سوزان وهى تقول :
– حبيبى.. هل علمت أن مسابقة السباحة قد تأجلت كما كنت أتمنى ؟
– لماذا ؟
– أصيبت إحدى المتسابقات ولم يجدوا البديل المناسب حتى الآن، لو لم يكن شعرى تكلف كثيرًا لاشتركت بدلًا منها.. أخشى أن تفسده المياه
غمغم متهكمًا
– إن استطعت الفوز فالجائزة المالية ستضمن لك إعادة تصفيفة
– هل تشك في قدراتى ؟!
اتسعت ابتسامته قائلًا :
– كلا يا حبيبتى.. فأنا أعلم أنك سباحة ماهرة
هتفت ملك وهى تتصنع اللامبالاة :
– طلبت منى حنان أن أشترك في هذه المسابقة ولكننى رفضت
تأملتها سوزان قائلة في لهجة لا تخلو من السخرية :
– أحقًا.. ولماذا رفضت ؟
– لباس البحر لم يرق لى
صاح بها خالد قائلًا :
– المشكلة ليست في لباس البحر.. ولكن السباحة هنا تختلف كثيرًا عن السباحة في ترعة القرية
ضحكت سوزان فازدادت ملك غضبًا وصاحت حانقة :
– سوف أفوز بهذا السباق
– كفى جنونًا
قالت سوزان ساخرة :
– دعها تجرب يا خالد، فنحن لن نخسر شيئًا
تجاهل خالد عبارتها وهو يعاود الصياح في ملك ساخطًا :
– ملك.. لا تغامرى و تجعلى من نفسك محط سخرية للجميع
– كن مطمئنًا، سوف أفوز
فتح فمه ليعلق مرة أخرى ولكن سوزان قاطعته قائلة :
– نعم يا خالد كن مطمئنًا.. فهى لن تغرق في حمام السباحة على أية حال
صاح مراد مدافعًا عنها :
– كلهن مجموعة من الهواة لا أكثر، أنا واثق بأن ملك ستسحقهن سحقًا
تطلعت إليه ملك في امتنان، لماذا لم يخلق خالد رقيقًا مرهفًا مثله.. ؟!
ساد الصمت بينهم طويلًا، حتى مراد بدا شاردًا.. سوزان أيضًا صمتت أخيرًا مع وجه خالد الذى ازداد تجهمًا، لم يقتنع بعد بإمكانية فوزها كما اقتنع مراد، لم تعلق بل أنهت طعامها سريعًا وما لبثت أن استأذنتهم في الانصراف حتى تنل قسطًا من الراحة و تستيقظ غدًا مستعدة للسباق
***
ساعدتها حنان في الاشتراك بالمسابقة رغم تحفظ القائمون عليها، يبدو أنهم مثل خالد لا يثقون في قدراتها أبدًا، لكنهم في النهاية كانوا مجبرين على القبول بها حتى تقام المسابقة في موعدها ولا تؤثر على الأنشطة الأخرى للباخرة..
انتهرتها حنان مرارًا وهى تلحظ انكماشها في لباس البحر الذى ارتدته على مضض، هتفت توبخها وهى تجذب يدها لتستقيم بجانبها :
– بالله يا ملك، ارتباكك هذا هو ما سيجذب الأنظار نحوك، خذى نفسًا عميقًا وكونى طبيعية ومستعدة للمغامرة، انتصبى قليلًا وارفعى رأسك للأعلى.. هذا جيد
حاولت أن تبدو طبيعية وهى تنفذ تعليماتها آليًا ولكن خجلها عاد مضاعفًا عندما اقترب منها مراد وأطلق صفيرًا طويلًا وهو يتأمل قوامها في وقاحة
عنفته قائلة :
– لا تنظر إلى َ هكذا
قال متسليًا :
– وكيف تريديننى أن أنظر إليك ؟
– مراد.. أنت تسلبنى طاقتى
– اغفرى لى يا ساحرتى
سألته في تلعثم :
– هل تجد هذا المايوه فاضحًا بالفعل ؟
– جدًا
تراجعت للخلف قائلة :
– لن أشترك في هذه المسابقة
أمسك بها وصاح ضاحكًا :
– لا تكونى سخيفة، كلهن يرتدين مثلك.. أنا أمزح فقط
بدت غير مقتنعة وهى تزداد انكماشًا على نفسها، فقال يحثها على التقدم :
– هيا يا ملك لقد راهنت عليك بالأمس، لا تعطى مجالًا لـ سوزان وخالد كى يسخرا منا.. أريدك أن تبذلى قصارى جهدك للفوز بهذا السباق.. كونى واثقة من قدرتك على الفوز
رغبتها القوية في إثبات نفسها أمامه كانت حافزًا لها.. همست وهى تبحث عنه :
– أين هو ؟
أشار ببعض الضيق إلى حيث وقف خالد يلوح لها مشجعًا.. لا يبدو منزعجًا من ملابسها، سوزان تقف بجواره ترتدى شورتًا قصيرًا جدًا وتداعب شعرها الأشقر، ملابسها لا تختلف كثيرًا عن هذا المايوه الفاضح الذى ترتديه هى، على الأقل هى في مسابقة رسمية وارتدته مرغمة
يبدو أنها أمضت وقتًا طويلًا في التطلع إليه، تنبهت على صوت مراد وهو ينتهرها قائلًا :
– كفى تحديقًا به و الحقى بزميلاتك سوف يبدأ العد التنازلى
زر الذهاب إلى الأعلى