بقلم : نسرين معتوق
كنت قد اعتدت الذهاب وحدي إلي أحد المقاهي ذات الطابع الكلاسيكي القديم كلما احتجت إلي السكون ، فكل شيء في ذلك المكان يتسم بالهدوء ، الإضاءة دافئة ، و درجات ألوان الجدران و قطع الأثاث مخملية داكنة و اللوحات على الجدران تحمل صور لوجوه ناعمة تقص قصص من أزمنة الحب و تحكي عن الجمال قبل أن يتدخل فيه الإنسان ، تستمع هناك إلي مقطوعات موسيقية قديمة لكن برغم بعد الزمن الذي أتت منه إلا أنها ظلت قريبة من قلوب الكثيرين ربما لأنها صنعت بحب من أناس كانوا أقل كلاماً عن الحب لكن أكثر تصديقاً به .. كل شيء هناك كان مقصود به الدفء .. أذهب فلا أحتاج لأكثر من أن أجلس على نفس الطاولة في زاوية المكان و بالقرب من النافذة و بين يدي كوب قهوتي و لا شيء غيره ، استمتع بمحاولة تحليل بعض الحكايات من حولي ، حكايات استطيع قراءتها بين الابتسامات و نظرات الأعين و حتى في تلك الدموع التي تخون صاحبها و تسقط من عينه .
لا أدري بالتحديد ما يربطني بذلك المكان لكن كنت دائماً ما احتاج للتوقف هناك قليلاً رغم أن التوقف و لو قليلاً في عالم كعالمنا لم يعد سهلاً ، ففي عالمنا الضوضاء سمة و الركض أسلوب و بالرغم أني جزء من ذلك العالم الذي يتحرك كل شيء فيه بسرعة إلا أني مازالت أملك بداخلي تلك القناعة بأن هناك و لو بعض الوقت استطيع استقطاعه لألتقط بعض من أنفاسي ، وقت يمكن أن أنصت فيه أطول ، و أن أنظر فيه بإمعان أكثر ، وقت استطيع أن أجمع فيه بنفسي لنفسي بقايا من انسانية أخاف في هذه الفوضى أن تضيع فلا استرجعها .. فالتوقف من حين لآخر و إن كان رفاهية فهو ضرورة ، ضرورة لنا جميعاً و لو لدقائق .
و إن لم تسعنا تلك القهوة جميعاً – و لن تسعنا – فعلينا أن نتوقف و حسب و لا يهم المكان .. لأني أكاد أجزم بأن عدد لا بأس بيه منا قد فقد الإتجاه الصحيح لوجهته و أن الأغلب في ظني يحتاج أن يتأكد بأنه لم يفقد شيء أثمن بكثير مما كان يصبوا إليه خلال هذه الرحلة .
جميعنا بحاجة لأن نعيد تقييم هذه الرحلة و بكل تفاصيلها ، حتى لا نستيقظ في يوم لنكتشف أن الأشياء ملكتنا بدلاً من أن نمتلكها و أننا فقدنا المذاق الحلو لأشياء كانت بسيطة إلا إنها كانت كافية ، لا تتنازلوا عن الدفء في حياتكم و لا تكفروا بالحب و لا تتوقفوا عن الإيمان بتلك الأشياء البسيطة مادامت تسعدكم و لا تتنازلوا عنها مقابل أي شيء مهما كان ثمين ، لا تفقدوا المذاق الحلو للحياة .. لا تفقدوا الحياة أحياء .
زر الذهاب إلى الأعلى