التمازج الإنساني المحلق في فن ذوي الهمم
بقلم /عبير العطار
من الوهلة الأولى تستطيع أن تستشف الصراع الذي وُجدنا على الأرض بسببه وظل ملاحقا لنا بسبب الأطماع البشرية
على المال والسلطة دون أن ننسى أننا جبلنا على المنازعة ما بين خير وشر
فطبيعة البشر لا يوجد بها خير مطلق أو شر مطلق وهذا الصراع تتعدد أوجهه
واختلف منطق تطبيقه،وعِظم الظلم كان لحظة تبديل الطفلين(خطة ووسوسة
الوزير إمكار عنصر الشر في المسرحية) مابين ابنة عمياء للملك و ذكر سليم
ومعافى حسب ظن الملك لقائد جيشه الذي نبذه حين أصبح بعين واحدة و
إلى مدينة أسماها مدينة العجزة لنكتشف لاحقا أن الأمير شكيب ابن الملك به صمم .
لا تزال خرافة العرافة أو الشعوذة موجودة في كل العصور يؤمن بها
أصحاب السلطة مهما بلغ العلم فحب الإنسان وفضوله لمعرفة المستقبل
يستدرجه إلى ذلك القيد النفسي ويسقطه في فخ الوهم وهنا كان دور واندا الساحرة الشريرة التى حاول
الملك التخلص منها حين لم تحقق له ما يريد ليسقط في براثن اللعنة المزعومة. واندا هي ياسمين فرج علي مؤلفة ا
والتى أقنعتني بدور الشر الذي قامت به لتناغم الصوت الغنائي والصوت المليء بالشر مع زي الساحرات الذي اشكر عليه
مصممة الأزياء والمكياج المتقن.(( الشر نبات كالصبار. ينبت فى الصحراء بلا ماء. والطفل بلا حب صحراء. وانت لم
تسق الحب يوما. فتبت الشر فى روحك فنهش قلبك وعقلك- من نص المسرحية على لسان واندا))
يفصل مدينة الملك نيارعن مدينة نام( مدينة العجزة حسب رأي الملك) ممر سري لم يكن يعرفه أحد حتى اكتشفه
الأمير شكيب، هذا الممر يمثل الحاجز النفسي بين البشر واختلاف طريقة المعاملة بالرغم أن الله قد منح كل
إنسان نعمة ما يعوضه به عن خسارة في نعمة ظاهرة (البصر- السمع وغيرهما) لذلك منحوا هؤلاء لقب ذوي
القدرات الخاصة وهم بالتأكيد ذوي قدرات كبيرة وليست خاصة لا تستطيع الإحساس بها إلا عندما تراهم وتحتك
بهم وتتفاعل معهم كما لا يمكنك أن تتصور أن لدى أحدهم أي اختلاف عن أ
فرد من أفراد المجتمع رغم أن طاقم العمل يتضمن من منهم الكفيف ،الأصم
أومصاب بشلل ومتلازمة داون…التمازج جعلهم بكل الحب نهرا يجري بسلاسة ويملك نقاء مائه.
لكن ماذا عن أوبرا بنت عربي
الفتاة العمياء ( والتى قامت بدورها الفنانة نهاد فتحي ) التى لم تتمكن من
اكتشاف حقيقة أنها ابنة الملك إلا في النهاية بعد أن قامت بتعليم الأمير شكيب (قام بالدور الفنان ماهر محمود) لغة (الصم والبكم ) لمدة شهر وهذا ما
يبدو لنا ظاهرا أما باطنا ومن خلال التعامل اليومي فقد علمته معان كثيرة كالحب،الإخلاص ،الشجاعة وتحمل
المسؤولية ولكي يتخلص من الخوف كان لا بد من زرع الأمل في قلبه ودفعه على التخلص من كل ما أصاب المملكة
من خراب وهنا يأتي دور القائد عربي.
لكن أن يتوهم الملك – والذي قام بدوره الدكتور علاء قوقة بجدارة- أن الطفل
الذي رباه هو ابنه فعلا ويتعايش على هذا الأساس ويعيش حالة من التوهان والألم النفسي حين يغيب عنه ويصبح ش
في ظهره عند العودة ليحارب الظلم ودولته الظالمة
فقد ذكرني بقصة فرعون وسيدنا موسى ،فرغم اختلاف الشخصيات و
الزمني وتفاصيل القصة إلا أن الظلم لا يتغير ولا يمكن أن يتوقع الظالم أن من سيحقق العدل المفقود هو من تربى في كنفه.
القائد عربي ( قام بالدور الفنان هاني عبد الحي) فقد مارس دوره الإصلاحي في مدينة نفي إليها الكثيرون فقط
لمرضهم أو لأنهم ذوي قدرات خاصة!! بدأ وحيدا منفيا وجمعهم بالحب وسعى للتغيير بالعمل والصبر والأمل
والتحدي،مارس إسقاطاته على أوضاع المملكة بعمله متخفيا كمهرج ثم أخيرا حانت لحظة المواجهة لينتصر الحق
ويعم السلام ((والدى كان واحدا لكن قلبه كان جيشا. درب قلبك على الحب وبالحب،فمن يحب يستطيع ان يجوب
العالم كله ليسعد من يحب – جملة من نص المسرحية))
الوزير إمكار الحاضر دوما بشره فما يكاد يفكر الملك حتى تجده حاضرا بكل ما أوتي من شر والذي قام بدوره الفنان
محمد سعداوي يبرهن عن طاقات ابداعية لهذا الموهوب لدرجة أنني
صدقت خبثه ومكره ودهائه فتذكرت مقولة “ومن أعمالكم سُلّط عليكم”.حين تسلط على الملك بشره من واقع ظلم الملك لشعبه.
المسرحية زاخرة بديكورات من تصميم رامة فاروق تشدك نحو التساؤلات ،لماذا كانت أوراق الكوتشينة من (الشايب)
و(البنت) و(الولد)هي الحاضرة وباستمرار،هل هو تلميح للصراع الثلاثي؟
لماذا تصدرت الأحصنة والعساكر في شطرنج ما أطلقوه عليهم (مدينة العجزة) وكأنه لفت انتباه أنها مدينة لا
يليق بفرسانها هذا اللقب!حتى إن قصة الحب قد اكتملت وخلف البطلين حصاني الشطرنج ليقفزا من وحشة الظلم إلى نور الحق. وأستطيع التأكيد
على أن الديكور رغم كثرته إلا التغيير في الحركة سلسة ودون أي إحساس بأي ارتباك.
الإسقاطات كثيرة وهي تمثل مجهودا رائعا لفرقة الشمس بادارة الفنانة وفاء الحكيم ،
التكاملية في العمل ما بين إتقان الأدوار وأصوات رائعة تغني لكن اللافت هو صوت الراوي وموهبة عمر فرحان التى
تمنحك فرصة للتحليق إلى آفاق الجمال مجتمعة ،ديكور مناسب يحمل في
طياته المعاني الكثيرة ،مكياج متقَن قامت به أماني حافظ ليناسب الشخصيات وحركتها على الخشبة ،
موسيقى وألحان متناغمة وفائقة الروعة للملحن أحمد الناصر بالإضافة إلى كل شخصيات العمل الذين أجادوا أن يمسكوا بروحنا لتحلق مع كل
مفردات الجمال.
و الأهم الصوت المسرحي العملاق للفنانة سميحة أيوب أعادني إلى العصر الذهبي للمسرح بتمازج أحسبه كلوحة تضج بلون الحب ليتضاد ولون الصراع الدامي.
لا يغنيني عن القول أن إخراج مثل هذه السمفونية المتناغمة بالتأكيد تتطلب مجهودا غير عادي ،فرقة ب 66 فردا يقومون بتناسق وحب نحو خلق بصيص من الأمل إلى عالم أفضل ، فعلى خشبة مسرح السلام أدار المخرج
هشام علي مسرحية “أوبرا بنت عربي” باقتدار وهي من إنتاج مسرح الشمس تحت إشراف الفنانة وفاء ا
.تجربة إبداعية يستحق الوقوف عندها بتأمل شديد نحو ما يقدمه الفن نحو
مجتمع عليه أن يستنفر كل حواسه ليحلق معهم.
زر الذهاب إلى الأعلى