التسامح هو الخلق العظيم
بقلم / محمــــــد الدكــــــرورى
لمذا لا نتسامح ونتراحم فيما بيننا ؟ ولماذا وصلنا الى كل هذه الشحناء والكراهيه
والضغينه ؟ ولماذا بعدنا عن منهج الإسلام وتعاليمه فى التعاملات الإجتماعيه فيما بيننا ؟
ويجب أن نعلم جيدا أن دين الإسلام يحث على العفو والتسامح، فقال الله تعالى (فَمَنْ
عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) وقال سبحانه: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ
مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) سورة آل عمران ..
وقال النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم “وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا“. رواه مسلم
فالتسامح في دين الإسلام خلق عظيم، ومنهج قرآني قويم، والنصوص الحاثة على
التسامح في هذا الدين كثيرة، فقال الله عز وجل في صفات المومنين: ” وإذا ما غضبوا هم يغفرون”
وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله ولقد شرع الله تعالى العدل،
وهو القصاص، وندب إلى الفضل، وهو العفو، فمن عفا فإن الله لا يضيع له ذلك، وتنازل
المسلم عن حقه لغيره مما يؤجر عليه عند الله تعالى، ويزداد به رفعة في الدنيا وثوابا
في الآخرة، وقد كانت سماحة الإسلام وعفوه ويسره من أعظم أسباب انتشاره، فتميزت حضارته، بذلك عن باقي الحضارات، بما اتسمت به من معان وقيم.
وترتبط أمة الإسلام في تعاملها مع المسلمين وغير المسلمين بعدة روابط، فهي أمة
وسط واعتدال وتسامح، رافضة لكل مفاهيم العنف والكراهية، والعنصرية والاعتداء على
الغير بأي شكل من الأشكال، بل حتى على الحيوان والنبات، ذلك لأن الأصل في المسلم أن يكون مغلاقا لكل شر، مفتاحا لكل خير.
فالعفو والتسامح حث عليه ديننا الإسلامي، وله ثمرات جليلة من أهمها: أن من عفا عن
عباد الله عفا الله فمن أراد أن يغفر الله له فليغفر لعباد الله، وليتعامل معهم بالعفو
والتسامح، وغض الطرف، ومقابلة الإساءة بالإحسان ، والعفو هو انتصار على النفس
وعلى الشيطان، فالشيطان يريد تفريق المسلمين، يريد الخلاف والشقاق بين عباد الله؛
كما جاء فى حديث النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون ولكن رضي بالتحريش فيما بينهم“. رواه مسلم
وقد تسامح الرسول صلى الله عليه وسلم مع المعرضين عن الدعوة، عندما ذهب إلى
الطائف يدعو إلى الله، فاستقبله أهلها أسوأ استقبال، وردوه ردا غير جميل، فاستند إلى
حائط بستان وأخذ يدعو الله فنزل جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال يقول له ” إن
شئت أطبقت عليهم الأخشبين” فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم ” لا يا جبريل، لعل
الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وقال:”اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”.
وتأملوا معي إلى بعض الخلافات وقد تكون بين الأقارب، لا يتحمل بعضهم من بعض، وإذا
بدر من أحدهم خطأ أعرض الآخر عنه، وقابل تلك الإساءة بالصدود والإعراض والتقاطع،
والتهاجر والتدابر، وديننا يحث على العفو، ولو لم يكن في العفو أن العافي يقع أجره على الله، والعطية على قدر معطيها.
فالعفو إحسان على النفس وإحسان على الغير، وهذا من ثمرات العفو: أن الله يحب
المحسنين، فأحسن لنفسك وأحسن لإخوانك المسلمين ، وأيضا ومن ثمرات العفو:
حصول السعادة والسكينة، فالذي يعفو عن الناس، الذي يتسامح مع أخطائهم ينام قرير
العين مرتاح البال، اطمأن قلبه وسكنت نفسه؛ لأنه يتعامل مع الله، ولا يتعامل مع البشر،
وانظر إلى تلك الخطيئة أن هذا قدر من الله عليك، سلط الله عليك هذا الإنسان ليسيء
إليك، فلا تتعامل مع البشر ولكن تعامل مع رب البشر، وانظر إلى الناس بعين الرحمة والشفقة .
ومن ثمرات العفو: اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، وقوة الأمة، يقول الله: (وَلَا تَنَازَعُوا
فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) فعلينا أن نتعامل مع الله، وأن
نسامح الناس من أجل الله، ونتأسى برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد طُرد من
مكة صلى الله عليه وسلم، ولقي في مكة ما تعلمون من الأذية، وعندما فتح مكة صلى
الله عليه وسلم قابل تلك الاساءة بالإحسان صلى الله عليه وسلم وعفا عنهم جميعا .
وهو تربية وتعليم لأمته صلى الله عليه وسلم، فتقول السيده عائشة عن خلق النبي
صلى الله عليه وسلم “لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا بالأسواق، ولا يجزي
بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح” رواه مسلم ، وعندما شج وجهه الشريف صلى الله
عليه وسلم في معركة أحد أخذ يسيل الدم من وجهه، ويقول صلى الله عليه وسلم: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون“.
فهذا هو قدوتنا وأسوتنا صلى الله عليه وسلم، ومن تربى على يده من صحابته الكرام
كان هذا هو ديدنهم ومنهجهم، عندما خاض مسطح في عرض الطاهرة عائشة، وكان
أبو بكر ينفق على مسطح؛ لأنه ابن خالته، وكان يحسن على القريب وعلى البعيد،
فأقسم أن لا ينفق عليه، فأنزل الله عز وجل : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فأقسم أبو بكر أن لا يقطع النفقة عليه بعد أن أقسم أن لا ينفق
عليه استجابة لأمر الله ولأمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
وعندما دخل رجل على عمر بن الخطاب وأساء معه الأدب وتكلم، وقال: “إنك لم تعطنا
العطية الجزية، ولم تحكم فينا بالعدل، فهم به عمر، فقال ابن قيس: يقول الله:
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) وإن هذا من الجاهلين، فما تجاوزها عمر“
فهم يستجيبون لأمر الله ولأمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
وإن الإسلام وضع للتسامح أسسا راسخة، وعقد له حوارات بناءة متينة، سواء تعلق ذلك
بواجب المسلمين تجاه بعضهم البعض، من تضامن وتواد وتآخ وتآزر، أو فيما تعلق بحسن
تعاملهم مع غيرهم ممن تقتضي الأحوال والظروف مخالطتهم، والتعامل معهم من أهل
الملل والنحل الأخرى، وقاعدة كل ذلك وأساسه ما ورد في القرآن الكريم، وفي سنة
سيد المرسلين من أن الاختلاف في الرأي ووجهات النظر أمر ضروري وجبلي في طبيعة
البشر، فذلك راجع إلى اختلاف الإدراك، وتفاوت العقول، وفهم الناس للأمور
ويقول الله عز وجل : ” ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من
رحم ربك ولذلك خلقهم “. ويقول سبحانه وتعالى: ” لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه
فلا ينازعنك في الامر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم وإن جادلوك فقل الله أعلم
بما تعملون ” ويبقى التجاوز والحلم والعفو من مكارم الأخلاق، عند حلول الغضب
والإساءة، بشرط أن يكون ذلك غير مخل بالمروءة ولا بواجب من الواجبات .
ويقول أنس: “خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لشيء فعلته
لما فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لما لم تفعله، وكان إذا نهرني بعض أهله قال: اتركوه، لو
أراد الله لكان“ فإن عالمنا اليوم في أمس الحاجة إلى التسامح والحوار البناء أكثر من أي
وقت مضى ، والتعصب والانغلاق من أكبر أسباب تغذية نار الكراهية بين الأمم والشعوب،
والانزلاق إلى مزيد من النزاعات والحروب، التي تؤدي إلى التدمير العبثي لكل ما هو
جميل في هذا العالم .
فالله عز وجل أمرنا بالدعوة إلى سبيله بالحكمة، بكل ما تحمله كلمة الحكمة من معاني
اللين واللطف، ومراعاة حال المخاطب وظروفه، ثم بالموعظة الحسنة التي تنفذ إلى
أعماق القلوب وتأسرها، ثم المجادلة بالتي هي أحسن عند الحاجة إلى المجادلة،
تحقيقا لقول الله عز وجل : ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا
وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير “…
زر الذهاب إلى الأعلى