الأمانه خلق عظيم تحفظ به الحقوق
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
أين ذهبت الأمانه من قلوب الناس فنحن نحتاج الأمانه وأصبحنا نفتقدها
والأمانة ذلك الخلق العظيم الذي به تُحفظ الحقوق وتُؤدى الواجبات وتُصان
الدماء والأموال والأعراض وبه تُعمر الديار والأوطان ويُقام الدين، ويُعبَد الله
في أرضه، وبه ينال العبد رضا ربه، وثناء الناس له من حوله، لا يستغني
عنها الأفراد ولا الدول ولا الشعوب والمجتمعات.
والأمانة هي القيام بالواجبات، وأداء الحقوق، وإتقان الأعمال، وحفظ الودائع،
وهي شاملة لجميع مجالات حياة الفرد تجاه نفسه ودينه، وأسرته ووظيفته،
ومجتمعه ووطنه، لا فرق فيها بين حاكم أو محكوم ، أو صانع وتاجر ،
أو عامل وزارع ، ولا بين غني وفقير ، أو رجل و امرأة، فهي شرف للجميع، ورأس
مال الإنسان، وسر نجاحه، ومفتاح كل تقدم، وسبب لكل سعادة.
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ. وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: بَلْ لمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: ” أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ
السَّاعَةِ؟” قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: ” فَإِذَا ضُيِّعَتْ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ “
. قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: ” إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ “
.رواه البخاري .
وإن طمأنينة النفس وراحة الضمير وسعادة الفرد والمجتمع لا تنبع إلا من
خلال قيم وأخلاق حميدة، ينبغي أن تُمَارس سلوكاً في الحياة ، في السراء
والضراء وعند اشتداد الفتن وكثرة المشاكل واحتدام الصراعات؛ فالأخلاق
ثابتة لا تتغير ولا تتبدل لأنها فطرة الله التي فطر الناس عليها ودين أمر الله
بإقامته، وربطها بالأجر والثواب والخيرية والفلاح في الدنيا والآخرة..
وهناك أخلاق جاء النبى الكريم ليتمها فقال صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثة
لأتمم مكارم الأخلاق ” والأمانة من هذه الأخلاق، بل هي أعظمها أهميةً وأثراً في
حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب، ويوم أن فقدناها رأينا الخيانة،
والتساهل والتقصير والتهرب من المسئولية، والغش والتحايل، والظلم
والفساد، والبغي في أخلاق الناس وسلوكياتهم، ففسدت الحياة، وساءت
العلاقات بين البشر، وضعف الإنتاج ودُمرت دول ومجتمعات..
والمراد من الأمانة ما هو أوسع من أمانات الأموال، حيث قال الله تعالى: “
إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا
وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً” سورة الأحزاب .
والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، والأمانة هي كل
ما افترض الله على العباد، فهو أمانة: كالصلاة، والزكاة، والصيام، وأداء الدين،
والأمانة من أبرز سمات الأنبياء والصالحين ، والنبى الكريم محمد صلى
الله عليه وسلم صاحب الحظ الأوفى من الأمانة: سمَّاه قومه: “الأمين” قبل
وبعد البعثة.
وإبقاؤه صلى الله عليه وسلم على عليً بن أبي طالب رضي الله عنه بعد هجرته
؛ ليرد الأمانات التي كانت عنده إلى أهلها ، وذلك لوجوب تأدية الأمانة
وحرمة الخيانة حيث قال تعالى: ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا”
و سبب نزول هذه الآيه هو تولية الأمر لمن هو أصلح له، فلما فتح النبي صلى
الله عليه وسلم مكة وتسلم مفاتيح الكعبة من بني شيبة؛ طلبها منه العباس
بن عبد المطلب؛ ليجمع له سقاية الحاج وسدنة البيت، فأنزل الله هذه الآية
فدفع مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة .
وعن عمر بن الخطاب قال: “ومن ولَّى
رجلاً على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه؛ فقد خان
الله ورسوله والمؤمنين” ولقد أصبحنا اليوم نبحث عن التاجر الأمين، والعامل
الأمين، والطبيب صاحب الأمانة، والبائع الذي يتعامل بالأمانة، فلا نجد إلا القليل
؛ فالأمانة أصبحت عملة نادرة بسبب الغفلة عن الآخرة، وحب الدنيا والبعد
عن الدين وتعاليمه، وعدم إدراك خطورة ضياع الأمانة في حياة الناس..
وقد حذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من زمن تقلب الحقائق وتزور ا
وتغير العناوين فقال: “سيأتي على الناس سنوات خداعات؛ يُصدَّق فيها
الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين،
وينطق فيها الروبيضة” قيل: وما الروبيضة؟ قال: “الرجل التافه يتكلم
في أمر العامة” .
وإن من بين السلبيات التي تجعل حضارة المجتمع في تراجع “الخيانة في
العمل وعدم الوفاء بأمانة العمل” وعندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن
الساعة، وقال له رجل: متى الساعة؟ قال: “إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر
الساعة”، فقال: وكيف إضاعتها؟ قال: “إذا وسٌدّ الأمر لغير أهله فأنتظر
الساعة” . رواه البخاري .
فيجب علينا أن نبحث عن الأمانة التي فقدناها، ونزكي بها أنفسنا، ونؤديها كما
أمرنا ديننا ونحييها في قلوبنا وسلوكياتنا، ونربي عليها أبنائنا، وننصح
بها بعضنا، ولنحذر من الخيانة فقد بيَّن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنّ
خائن الأمانة سوف يُعذَّب بسببها في النار، وتكون عليه خزياً وندامة يوم
القيامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم “لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة” .
رواه البخاري .
فيجب علينا أن نعلم أن الأمانة خُلق شامل لكل مظاهر الحياة؛ فالشعب أمانة
في يد الزعماء والرؤساء والملوك، ولا ينبغي خيانته وبيعه مهما كان الثمن،
والدين أمانة في يد العلماء، والعدل أمانة في يد القضاة، والحق أمانة في يد
المحامين، والصدق أمانة في يد الشهود، والمرضى أمانة في يد الأطباء،
والمصالح أمانة في يد المستخدمين، والتلميذ أمانة في الأستاذ، والولد أمانة
فييد أبيه، والكلمة أمانة في يد الصحفي والخطيب، والوطن أمانة في
عنق الجميع (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ)..
زر الذهاب إلى الأعلى