أثارت حالة من الجدل خلال الفترة الماضية بشأن احتساب المتوفى بفيروس كورونا منزلة الشهيد، فهناك فريق يراه جند من جند الله يصيب به من يشاء لتخليص البشر من أشرارهم، وآخرون تسلل الخوف لأنفسهم من أن تكون الوفاة بها دليل على سوء الخاتمة، رغم أن الوباء قد طال الكثيرين دون تمييز أو تفرقة.
ليحسم مركز الأزهر العالمي للفتاوي الإلكترونية، الأمر، مؤكدًا أن المُتوفَّى بفيروس كُورونا يتم احتسابه عند الله من الشُّهداء، له أجر شُهداء الآخرة، ويَسرِي عليه ما يسري على أموات المُسلمين من غُسل وتكفين وصلاة جِنازة.
وأكد مركز الأزهر، أن من مات بفيروس كورونا فنحتسبه عند عند الله شهيدًا، له أجر شهداء الآخرة؛ لقول سيدنا رسول الله ﷺ: «الشُّهَداءُ خمسةٌ: المَطعونُ، والمَبطونُ، والغَريقُ، وصاحبُ الهدمِ، والشهيدُ في سبيلِ اللهِ» [مُتفق عليه]، والمطعون أي الذي أصابه داء الطاعون، ومثله كل من مات جراء الوباء.
واستشهد مركز الأزهر، قول رسول الله صلي الله عليه وسلم «ما تعدُّونَ الشَّهيدَ فيكُم؟» قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، مَن قُتِلَ في سبيلِ اللَّهِ فَهوَ شَهيدٌ، قالَ: «إنَّ شُهَداءَ أمَّتي إذًا لقليلٌ»، قالوا: فمَن هم يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: «مَن قُتِلَ في سبيلِ اللَّهِ فَهوَ شَهيدٌ، ومن ماتَ في سبيلِ اللَّهِ فَهوَ شَهيدٌ، ومَن ماتَ في الطَّاعونِ فَهوَ شَهيدٌ، ومَن ماتَ في البَطنِ فَهوَ شَهيدٌ»، وزَادَ في روايةٍ «والغَرِقُ شهيدٌ». [صحيح مسلم]
ولقوله ﷺ: « فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ». [صحيح البخاري]
وأضاف مركز الأزهر العالمي للفتاويى الإلكترونية، أن مَن مات بفيروس كورونا داخل في حكم من مات بالطاعون، وقد عَرَّف ابن منظور في (لسان العرب) الطَّاعون بأنه: «الْمَرَضُ الْعَامُّ وَالْوَبَاءُ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ فَتَفْسُدُ لَهُ الأَمْزِجَةُ وَالأَبْدَانُ».
وتابع المركز: الشهداء نوعان: شهيد الدنيا والآخرة، وشهيد الآخرة.
فشهيد الدنيا والآخرة هو من مات في قتال أعداء الدين والوطن، وحكم هذا الشهيد أنه لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه؛ بل يدفن على حالته.
أما النوع الثاني وهو شهيد الآخرة فهو من مات بسببٍ معين من مجموعة الأسباب التي ذُكرت في الحديث الشَّريف والتي منها الموت بسبب وباء كفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)؛ ولكنه يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه صلاة الجنازة، ولا يُشترط المسجد لصحّة صلاة الجِنازة، وتجوز صلاتُها في المشافي، وفي الخلاء، وعلى المقابر.
ودعا مركز الأزهر العالمي للفتاوى الإلكترونية، لكل مصاب بكورونا الشفاء العاجل، وأن يتقبل المتوفين بالفيروس في منزلة الشهداء، وأنْ يكشفَ عنَّا وعن العالمين البلاء؛ إنَّه سُبحانه ذو مَنٍّ وكَرَمٍ وآلاءٍ.
وأوضح مركز الأزهر للفتوى، أن حرمة مخالفة التعليمات الوقائية والإرشادات الطبية ترجع لما في المخالفة من تعريض النفس والغير لمواطن الضرر والهلاك، فضرر الفيروس لن يقتصر على المُتساهل في إجراءات الوقاية منه فحسب؛ بل قد يتعدى إلى غيره ممن يُساكنهم أو يُخالطهم.
واستشهد المركز بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه :”لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضاره الله، ومن شاق شاق الله عليه”، وحديث آخر :”لا يبنغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا وكيف يذل نفسه قال يتعرض من البلاء لما لا يطيق”، رواه الترمذي.
وشدد على أن حفظ النفس مقصد من أعلى وأولى مقاصد الشرع الشريف؛ مستشهدا بقول الحقُّ سبحانه في تعريض النفس لمواطن الهَلَكة: “وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. البقرة:195
زر الذهاب إلى الأعلى