الأبناء أمانه عند الوالدين
الأبناء أمانه عند الوالدين
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
نرى فى هذه الأيام إهمال لا حصر له فى تربية الأولاد وتعليم ونرى أن آباء وامهات كثيرون نسوا دورهم الحقيقى فى تربية أبنائهم ونسوا أن الأولاد أمانة عند الوالدين كلفهم الله بحفظها ورعايتها وهم أولى الناس بالبر وأحقهم بالمعروف، فكما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم وقمت بتربية أبدانهم فأنت قائم بالحق مأجور عليه ، فكذلك بل أعظم منه إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم بالعلوم النافعة والمعارف الصادقة والتوجيه للأخلاق الحميدة والتحذير من ضدها.
وإن مهمة تربية الأولاد مهمة عظيمة يجب على الآباء أن يحسبوا لها حسابها ويعدوا العدة لمواجهتها ، خصوصا في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدت غربة الدين وكثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده بمثابة راعي الغنم في أرض السباع الضارية إن غفل عنها أكلتها الذئاب .
ولقد تفضل الله على عباده بنعم لا تحصى ، ومنن لا تستقصى ، فكل نعمة يراها العبد على نفسه هبة من الله ، قال تعالى : ” وما بكم من نعمة فمن الله ” ، واعلموا أن هناك نعماً خص الله بها فئة من الناس وحرمها فئة أخرى ، ابتلاء منه سبحانه ، وتمحيصاً لعباده ، ليميز الخبيث من الطيب ، قال تعالى : ” ولله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور * أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير ”
فمن أعظم النعم على الإنسان بعد نعمة الإسلام ، نعمة الولد ، ولا سيما الولد الصالح ، نعمة الولد لا يعرف قدرها إلا من حُرمها ، فكم من الناس من مُنع نعمة الأبوة والأمومة ، فتراه يسعى جاهداً ليلاً ونهاراً ، بكل ما أوتي من جهد ومال للحصول على الولد الذي فقده ، ولكن قدرة الله تعالى فوق الطاقات والأموال المهدرات ، لأنه سبحانه عليم قدير ، يختبر العباد ، ويمتن على الإنسان ، فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون .
ويوجِّه النبي صلى الله عليه وسلم أمَّتَه إلى الدعاء للذريَّة قبل أن تولد؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لو أنَّ أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهمَّ جنِّبنا الشيطان، وجنِّب الشيطان ما رَزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولَد في ذلك، لم يضره شيطان أبدًا ” وكان يدعو للصبية؛ كما ذكرت ذلك عائشةُ رضي الله عنها إذ قالت: ” إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرِّك عليهم، ويحنِّكهم ” وكم حصل من الخير للأولاد الذين فقه آباؤهم وأمَّهاتهم هذا الأمر العجيب الذي هو الدعاء، فكان ذلك سببًا في صلاح دينهم ودنياهم وآخرتهم.
فأولادنا ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، وفلذات أكبادنا ، وأحشاء أفئدتنا ، وزينة حياتنا ، قال تعالى : ” المال والبنون زينة الحياة الدنيا ” ، الأولاد قرة الأعين ، وبهجة الحياة ، وأنس العيش ، بهم يحلو العمر ، وعليهم تعلق الآمال ، وببركة تربيتهم يستجلب الرزق ، وتنزل الرحمة ، ويضاعف الأجر ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ” رواه مسلم .
وإن من أعظم النِّعم التي ينعم الله بها على عِباده نعمة الأولاد، فهم إذا صلحوا عملٌ صالح يستمر للأبوين حتى بعد موتهما، ومع صلاحهم ينال الأبوان برَّهم، وطاعتهم، ونفعهم، وهكذا تكون نِعمة الأولاد تعود على الأبوين بالخير في الدنيا والآخرة، وهم زينة الحياة الدنيا والأولاد المقصود بهم الأبناء والبنات، والخير في البنات في الشريعة الإسلامية جاء التأكيد عليه؛ لما كان من كراهية أهل الجاهلية للبنات.
والأولاد مع ما فيهم من فضل وخير، ومع كونهم نِعمة، فهم أمانة يجب تأديتها كما يحبُّ الله جل في علاه، بل إن ذلك من أعظم الأمانات التي تجب على الإنسان، وخيانتها من أعظم الخيانات ، وهي والله أمانة؛ لأن الأمر من الملك الجبار جاء بوجوب وقاية الأولاد من النار، وأن يبعدهم المسؤول عنهم عن كلِّ طريق يوصل إلى جهنم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ سورة التحريم . “أي: فقِّهوهم، وأدِّبوهم، وادعوهم إلى طاعة الله، وامنعوهم عن استحقاق العقوبة بإرشادهم وتعليمهم.
والاولاد هم الشباب عماد الأمة ، وعزها المجيد ، ومجدها التليد ، الشباب قوة الشعوب ، وحصنها الحصين ، ودرعها المتين ، هم سبب الفتوحات ، وأساس الانتصارات ، ومن قرأ التأريخ ، وتصفح كتب السير والمغازي ، لرأى رأي المنصف العاقل الرشيد ، كيف أن الشباب في صدر الإسلام وبعده كانوا لبلاد الكفار فاتحين ، وعن بلاد الإسلام مناضلين ومنافحين ، تجدهم محاربين ، وتراهم مقاتلين ، تهابهم الأعداء ، ويحبهم من في السماء
وجاء البيان من رسول ربِّ العالمين بأنَّ المرء يُسأل عن رعيَّته يوم الدين، فبأي شيء يجيب مَن ضيَّع أولاده؟ وبماذا سينطق مَن خان الأمانة؟ يقول عليه الصلاة والسلام: ” كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته…، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيَّته، والمرأة راعية في بيت زَوجها ومسؤولة عن رعيَّتها ” فتربية الأولاد ورعايتهم مسؤوليَّة قد يتسبَّب إهمالها وعدم حفظها في مَصير مؤلم ينتظر الوالدين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ما مِن عبد يَسترعيه الله رعيَّةً، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيَّته، إلا حرَّم الله عليه الجنَّة ”
والمولود يولد على الفِطرة التي فطر الله الناس عليها، فما على الوالدين إلَّا الحفاظ على الخير الذي فيه، وصيانته من كلِّ الشرور التي تتربَّص به، لكن المصيبة أن يكون الوالدان مع تقصيرهما في حِفظ ولدهما هما سبب الانحراف، وطريق الغَواية، ومفتاح الشرِّ، ووقود الهلكة، وسبيل الغواية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما مِن مولود إلَّا يولد على الفِطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه…” ثم قرأ أبو هريرة رضي الله عنه: ” فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ” … فأتقوا الله فى أولادكم ..