بقلم /خالد البليسي
حين تكتشف أن المكان ليس مكانك، وأن الإحساس ليس إحساسك، وأن الأشياء حولك لم تعد تشبهك، وأن مُدن أحلامك ما عادت تتسع لك عندها لا تتردد وارحل بلا صوت. عندما تعجز كلماتنا عن وصف إحساسنا يصبح رحيلنا بصمت أصدق تعبير عن ما بداخلنا. عند الرحيل لا تضيع وقتك في البحث في أحشاء اللغة لإنتقاء كلمات الحب أو الإعتذار أو الوداع، فكل الكلمات التي تولد لحظة الفراق، إنما هي مجرد محاولات فاشلة لتبرير وتفسير هروبك. لسّت ضعيف لكن لم أسّتطع التحمل أكّثر، يا دنيا أخبريهم أن لي قلباً ليس من حجر فقررت الرحيل. عند الرحيل يغلق البعض في وجهك كل أبواب الرحيل، كي يمنعك من الرحيل لأنه يحبك، والبعض يعترف لك بحبه عند الرحيل كي يبقيك معه، ويكتشف البعض الأخر أنه يحبك بعد الرحيل فيحترق ويحرقك بإكتشافه المتأخر. حين تقرر الرحيل لا تدفن رأسك في الرمال كما النعامة، كي لا تلمح وجوه أولئك الذين أحبوك بصدق، وراهنوا على بقائك معهم فخذلتهم برحيلك ولا تبكي بصوت مرتفع كالأطفال كي يصل صوتك لأولئك الذين أحببتهم بالصدق ذاته فخذلوك، وأترك المساحات خلفك بيضاء وشاسعة لهؤلاء وهؤلاء، كي يمارس كل منهم طقوس حنينه إليك بطريقته الخاصة، وتأكد مهما كان لون أو شكل حجم صمتك عند الرحيل، فلرحيلك صوت قد تسمعه كل الكائنات، لكنه لن يؤلم أبداً ولن يصل إلا لأولئك الذين يشكل لهم وجودك شيئاً من الوجود. البعض يشتري إحساسك لأنه يحبك، والبعض الآخر يبيع إحساسك لأنك تحبه، ومضة الرحيل بلا صوت هو أجمل هدية نقدمها لأنفسنا كي نختصر بها مسافات الألم والإحباط والفشل حين نشعر بأن كلماتنا لا تصل إليهم.
زر الذهاب إلى الأعلى