إجتناب طريق الفتن والضلال
بقلم/محمد الدكروري
الكل الآن في ظل هذه الفتن والكوارث والمصائب التى
اصبحت لا تعد ولا تحصى أصبح الكل يسأل كيف السبيل إلى
الرشاد ويجب علينا أن نعلم أن من بديهات العقل المسلم بها
أن الصانع عليم بصنعته ، ما يصلحها وما يفسدها ، وإننا إذا
قمنا بشراء جهاز ما ، نكون حريصين على اتباع تعليمات
التشغيل المدونة في ما يسمى ( بالكتالوج) ؛ لأن من صَنَعَ هو
مَنْ كَتَبَ ، وهو أدرى بما صنعَ ، وبما أن الإنسان صُنْعُ اللهِ
سبحانه وتعالى فاللهُ عَزَّ وجَلَّ أعلم بما يصلحه وما يفسده “
أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ” ..
فصلاحُ البشرِ مرهونٌ باتباعِ منهجِ اللهِ سبحانه وتعالى ،
ووالله عز وجل لم يترك البشر في الحياة بلا هداية بل شرع
لهم من الأحكام والتكاليف ما تستقيمُ به حياتُهم ، ليحيوا في
الدنيا سعداء، ويكونوا من الفائزين يوم اللقاء، فالمستفيد من
تكاليف الله هو من يلتزم بها ، فالله عز وجل لا تنفعه طاعة
التقاة ، ولا تضره معصية العصاة ، إنما المستفيد مِنْ الطاعة
المطيع ، والمضار مِنْ المعصية العاصي ، فتعاليم الله شرعت
لتحقق لنا السعادة والنفع والإفادة ، فما بالنا غير سعداء؟!
نصبح ونمسي في شقاء، تؤرق مناماتِنا تأوهاتُ المظلومِ ، مع
إننا نصلي ونصوم ، وبكل التكاليف الشرعية نقوم؟!!
فأقول؛ إن سبب ما نحن فيه من بلاء ، وما ألقانا بل غمرنا في
جب العنت وبحر الشقاء ، أننا أخذنا من الشرع المظهر ،
وأهملنا الثمرة والجوهر ، وإن كثيرا من الناس يبالغ في
مظاهر الدين دون أن يشغله جوهر العبادة، وما أدراك ما
الجوهر ! ، فإن الله لم يفرض علينا فرائضه عبثا ؛ حاشا لله ؛
فلكل شعيرة حكمةٌ وثمرةٌ ، شرعت من أجلها ، وإنْ أديناها
على الوجه الصحيح ظهرت ثمرتٌها وأينعتْ فينا خلقا وسلوكا،
ففريضة كالصلاة ؛ مثلا ؛ كفيلة بأن تستقيم بها حياتُنا وتُحل
به جلُ مشكلاتِ حياتنا ، لو أنا فهمنا جوهرها وفزنا بثمرتها،
ولن تتأتى ثمرتها إلا لمن استشعر جوهرها .
وقد يسأل سائل، ما ثمرة الصلاة؟! حتى أقيس مدى صحة
صلاتي ، فإن وجدت الثمرة في نفسي وخلقي وسلوكي هنئتها
، وإلا عزيتها
أقول: تأمل معي قول الحق ” اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ
أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ” سورة لعنكبوت
فمن صلى ولم ينتهِ عن الفحشاء والمنكر فليعلم أن في صلاته
خلل ، لأجل ذلك لم تُؤت ثمرتها ، أصلح صلاتك تستقم حياتك
، والصيام أيضا ؛ لم يُشْرَعُ لتجويعنا وإظمئنا ، ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ ” سورة البقرة .
فمن خرج من صيامه بلا تقوى فليعلم أن في صيامه خلل،
وهكذا في سائر الشعائر الربانية ، فلكل شعيرة حكمة ؛
أدركناها أم لم ندركها ، فعدم إدراكنا لها لا ينفي وجودها ، فلم
ينبهر العرب بملابس رسول الله صلى الله عليه و سلم، ولا
بمطعمه،ولا بمشربه ولكنهم انبهروا بعظيم أخلاقه ، وطيب
سيرته ، وحسن أدبه ، ولين معاملته ، فحوّلهم من أمة ترعى
الغنم ، إلى أمةٍ تقود الأمم ، فالدين المعاملة، ولن يظهرَ فينا
“صلاحُ الدينِ ” إلا بصلاحِ الدينِ، فإن صَلُحَ منا الدينُ صِرنِا
كلُنا ” صلاحَ الدينِ ” .
والفتنُ من أعظم المُؤثِّرات على الدين، فلا تعرفُ سنًّا ولا
جنسًا ولا بلدًا، وهي تُمحِّص القلوبَ وتُظهِرُ ما فيها من صدقٍ
أو ريب، فتتعرَّض لكل قلبٍ فيسقط فيها أقوامٌ وينجو
آخرون، فقال النبى الكريم عليه الصلاة والسلام “تُعرضُ الفتنُ
على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَت فيه
نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرها نُكِتَت فيه نُكتةٌ بيضاء”. رواه مسلم.
فلا عاصمَ من الفتن إلا ما عصمَ الله، قال سبحانه: (وَمَنْ يُرِدِ
اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) والدعاء سلاحُ المؤمن
في السرَّاء والضرَّاء، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم أمرَ
صحابتَه بالتعوُّذ من الفتن، قال زيد بن ثابت رضي الله عنه
أقبلَ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال:
“تعوَّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن”. قالوا: نعوذ
بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. رواه مسلم.
بل وأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالتعوُّذ منها في كل
صلاة، فقال عليه الصلاة والسلام “إذا تشهَّد أحدكم فليستعِذ
بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن
عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجَّال”. رواه مسلم.
والبُعد عن الفتن عصمةٌ منها، ولهذا أمر النبي الكريم صلى الله
عليه وسلم بالهرب من الدجَّال لمن سمِعَه، ويعظُم قدرُ العبد
بالبُعد عنها، فقال عليه الصلاة والسلام “ستكون فتنٌ القاعدُ
فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ خيرٌ من الماشي، والماشي فيها
خيرٌ من الساعي، من تشرَّف لها تستشرِفه، فمن وجدَ ملجأً أو
معاذًا “أي: هربًا منها ” فليعُذ به”. متفق عليه… فإستقيموا
يرحمكم الله.
زر الذهاب إلى الأعلى