أناس بين الجنه والنار يوم القيامه
كتب/محمد الدكروري
فى يوم القيامه وهو يوم الحساب التى لا تظلم فيه نفس
وتوفى كل نفس ما عملت حيث تفصل الخصومة يوم القيامة،
فيأمن أهل الجنة، وينقطع رجاء أهل النار، وقد أخبر النبي
صلى الله عليه وسلم فقال: ” يؤتى بالموت يوم القيامة
فيوقف على الصراط؛ فيقال: يا أهل الجنة فيطلعون خائفين
وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، ثم يقال: يا أهل
النار فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم
الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا
الموت فيؤمر به؛ فيذبح على الصراط، ثم يقال للفريقين
كلاهما: خلود فيما تجدون لا موت فيها أبدًا” رواه أحمد
وقد قَالَ اللَّه تعالى فى كتابه الكريم ” وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال “
والأعراف مواضع مرتفعة على الصراط سبع قناطر وهي
جسور بعضها أصعب من بعض ،وبعضها أشد سؤالا من بعض ،
وبعضها أكثر ارتفاعا من بعض ،وعند كل جسر يسأل العبد عن
عبادته التي افترضها الله عليه في الدنيا فأول ما يسأل عنه
العبد يوم القيامة الصلاة ، ثم حفظ اللسان ، ثم حفظ الجار ،
ثم صلة الرحم ثم جميع ما أمر الله به و جميع ما نهى عنه .
إذن كل من جاء إلى جسر الصراط سئل عن عبادته فإن كانت
حسنة ترضي الله عز وجل ،مضى وصار إلى الجنة و نوره
الإيمان يسعى بين يديه و عن شماله ،يزيد بطاعة الله و
ينقص بمعصية الله ،فكل من نقص ثوابه بالمعصية نقص نوره
على الصراط ٍ ومن أراد مولاه أن يعذبه أتم له النور في بعض
جسور الصراط وأطفأ النور عنه في البعض الآخر ، و الصراط
أسود مظلم من شدة سواد جهنم ، لو أن قطرة من ظلمة
الصراط و ضعت في الدنيا لأظلم مشرق الدنيا و مغربها
ولمات الخلق من شدة الظلمة .
وتأتي الخلائق إلى الصراط المؤمنون والكافرون ،والصراط
أحد من السيف و أرق من الشعرة و أحر من الجمر ، ومع دقته
و رقته يضطرب كما تضطرب السفينة بأهلها إذا كانت الرياح
عاصفة ، فأما المؤمنون فيمضون و أنوارهم تسعى بين
أيديهم و بأيمانهم ، وأما الكافرون فيهوون ويسقطون في
النار وبئس القرار، وتبقى فرقة ثالثة لا هم يسقطون في النار ولا هم يدخلون الجنة.
وإنما حبس الله تعالى هؤلاء القوم على أعراف الصراط ليبين
لأهل الجنة و الملائكة و الجن و الإنس و لجميع ما خلق الله
تبارك و تعالى فضل نبينا محمد صلى الله عليه وسلام ،
فيظهر جاهه و قدره و حرمته عند ربنا جل جلاله ، وهؤلاء
هم أهل الأعراف الذين تحدث عنهم القرآن ، إذا صاروا على
تلك المواضع من الصراط نقص نورهم و بقوا على أطراف
أنامل أرجلهم ورأوا ظلمة ، وذلك أن الخلق على الصراط على
قدر أعمالهم في الدنيا ، فمن الناس من يكون له من النور ما
يضئ له مسيرة سنة وما يضئ مسيرة شهر وما يضئ مسيرة
جمعة ومسيرة يوم ومسيرة ساعة ، ومن الناس من يعطى من
النور ما يضئ له موضع قدميه.
وعلى قدر منازلهم عند ربهم تبارك وتعالى و على قدر أعمالهم
في الدنيا ، فيستبقون في الجواز على قدر أنوارهم التي
معهم ، فإذا ثبت هؤلاء القوم على أناملهم من أرجلهم لا
يستطيعون الجواز وهم ينظرون إلى أهل النار كيف يعذبون
في النار، وقال الله تعالى ” وإذا صرفت أبصارهم تلقاء
أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين “
ويستغيثون و يتضرعون إلى مولاهم جل جلاله ويسألونه
النجاة من النار ومن هول ما هم فيه من صعوبة الصراط،
فيمكثون كذلك ما شاء الله تبارك وتعالى مغمومين مكروبين
محزونين لا يدرون أينجون أم يهلكون .
ومع كل إنسان منهم حافظاه اللذان كانا يكتبان عليه عمله في
الدنيا ، فبينما هم كذلك إذ يلقي الله تبارك و تعالى ذكرهم في
قلوب إخوانهم من أهل الجنة و على ألسنتهم فيقول بعضهم
لبعض يا ليت شعرنا ما فعل إخواننا من أهل الأعراف ؟ ما
فعل أخواننا من أصحاب الأعراف ؟ فيقول الملائكة : يا معشر
أهل الجنة أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون
بدخولها قد قل نورهم و طفئ سراجهم و بقوا على أطراف
أناملهم و أرجلهم وهم وقوف ينتظرون رحمة ربهم فذلك
قوله تعالى : ” ونادوا أصحاب الجنة ” يعني نادت الملائكة
أصحاب الجنة ” أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون ” .
ويحدث عن ابن مسعود قال: يحاسب الله الناس يوم القيامة،
فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن
كانت سيئاته أكثر بواحدة دخل النار، ثم قرأ قوله تعالى
” فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت
موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ” ثم قال: إن الميزان
يخف بمثقال حبة أو يرجح قال: ومن استوت حسناته
وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ثم
عرفوا أهل الجنة وأهل النار، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا:
سلام عليكم أي: يحيونهم ويسلمون عليهم، وهم لاذال لم
يدخلوا الجنة، ولكنهم يطمعون في دخولها.
وإذا صرفوا أبصارهم إلى أصحاب النار رأوا منظرا شنيعا،
وهَوْلًا فظيعا قالوا: “ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين”
يستجيرون بالله من تلك الحال، ثم انتقل الله عزوجل من ذكر
الخاص إلى العام فقال: ” وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا
يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ” وهم من أهل النار، وقد كانوا في الدنيا
لهم أبهة وشرف، وأموال وأولاد، فقال لهم أصحاب الأعراف،
حين رأوهم منفردين في العذاب، بلا ناصر ولا مغيث: ” مَا
أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ” في الدنيا، الذي كنتم تستدفعون به
المكاره، وتتوسلون به إلى مطالبكم في الدنيا، فاليوم غاب،
ولم يغن عنكم شيئًا.
ثم أشاروا لهم إلى أناس من أهل الجنة كانوا في الدنيا فقراء
ضعفاء يستهزئ بهم أهل النار، فقالوا لأهل النار: ” أَهَؤُلَاءِ “
الذين أدخلهم اللّه الجنة ” الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ”
احتقارا لهم وازدراء وإعجابا بأنفسكم، قد حنثتم في أيمانكم،
وبدا لكم من الله ما لم يكن لكم في حساب، ” ادْخُلُوا الْجَنَّةَ “
بما كنتم تعملون، أي: قيل لهؤلاء الضعفاء إكراما واحتراما:
ادخلوا الجنة بأعمالكم الصالحة ” لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ” بل آمنون مطمئنون فرحون بكل خير.
ومن أقوال أهل التفسير في أصحاب الأعراف أنهم من ذهبـوا
إلى الجهاد دون رضى والديهم
فـحجبهم جهادهم بعد فضل الله عن النار ، وحجبهم عقوقهم
لوالديهم عن الجنه ،
فصـآرو في مقام بين الجنه والنار ، أو هم أقوام جمعت
حسناتهم ثم جمعت سيئاتهم فـتساوت الحسنات مع السيئات
، فلو زادت حسناتهم حسنة لرجحت الكفة ولانتقلوا من الأعراف إلى الجنه .
زر الذهاب إلى الأعلى