غير مصنف

أمراض القلب المهلكه

أمراض القلب المهلكه

بقلم/محمد الدكروري

إذا تكلمنا عن الحسد فيجب علينا جميعا أن نعلم أن الحسد

يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب الحسد كبيرة من كبائر

الذنوب وقد حسد إبليس آدم عليه السلام فطرده من جنته ،

وحسد ابن آدم أخاه فقتله ، فالحسد دليل على تفسخ الأخلاق

، وانسلاخ الإنسانية ، وانحطاط للهاوية ، الحسد ربيب

الكبرياء ، ووالد الكراهية والبغضاء ، ومثير الفتن والشحناء ،

وربما كان الحسد سبباً لإزهاق الأنفس البريئة .

والحسد أصله في القلب ولكن له امتدادات في الخارج،

وتصبح الأعضاء تعمل إرضاء لنفس الحاسد، وتسكينًا لجمرة

الغضب المتوقدة في قلبه، حسداً على أخيه، وكذلك في

تسكين الألم؛ فإنه لا يزال يتألم وهو يرى صاحبه يتقلب في

النعمة، والناس يأتون إليه، وله المنزلة، وكذلك فإنه لا يزال

يكيد لأجل أنه يأكله الغيض من داخله، فكان الحسد في

شريعتنا محرماً، وكذلك في شرائع الأنبياء.

ولقد دعا الإسلام أهله إلى المحبة والألفة الدائمة ، والتعاون

البناء ، والتكافل الاجتماعي وكذلك فقد حذر الشرع القويم

من الفرقة والاختلاف ، ونهى عن الكراهية بين المسلمين وكل

ما من شأنه أن يكون سبباً لوغر الصدور ، وضيق الأخلاق ،

وتأزم الأمور ، وحرم الغل والضغينة على المؤمنين ، وهذا

الحسد الذي يجعل الإنسان لا يهدأ له بال، ولا يقر بنوم، ولا

يرتاح عندما يرى غيره من أصحاب النعم؛ ولذلك كان من

أصول العقيدة الرضا بالقضاء والقدر، وأن الإنسان يرضى بما قسم الله له .

والحسد خصلة ذميمة من الخصال القبيحة التي حذركم الله

منها، فطهروا أنفسكم من الاتصاف بها، ألا وهي خصلة الحسد

التي هي من أعظم خصال الشر، فقد حذر منها النبي صلى

الله عليه وسلم فقال: ” لا تحاسدوا ولا تناجشوا، ولا تباغضوا

ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا” رواه البخارى ومسلم .

وقال صلى الله عليه وسلم “دبّ إليكم داء الأمم قبلكم:

الحسد والبغضاء هى الحالقه لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة

الدين ” رواه أحمد، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي

صلى الله عليه وسلم قال: “إياكم والحسد؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب” .

والحسد صفة شرار الخلق، فقد اتصف به إبليس، فحسد آدم

لما رآه فاق الملائكة؛ حيث خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته،

وعلمه أسماء كل شيء، وأسكنه جنته، فما زال يسعى في إخراجه من الجنة حتى أخرج منها.

والحسد هو الذي حمل أحد ابني آدم على قتل أخيه ظلمًا، لما

وهبه الله النعمة وتقبل القربان، وقد قص الله خبرهما في

القرآن الكريم تحذيرًا لنا من الحسد وبيانًا لعواقبه الوخيمة،

والحسد صفة اليهود كما ذكر الله في مواضع من كتابه، فقد

حسدوا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، على ما آتاه الله من

النبوة والمنزلة العظيمة، فكفروا به مع علمهم بصدقه وتيقنهم

أنه نبي الله تعالى، وحسدوا هذه الأمة على ما منَّ الله به

عليها من الهداية والإيمان .

والحسد هو كراهية وصول النعمة إلى الغير، سواء تمنى

زوالها أم لم يتمنَّ ذلك، وله من الآثار السيئة ما لا يحصى،

فمنها: أن فيه اعتراضًا على الله في قضائه، واتهامًا له في

قسمته بين عباده؛ لأن الحاسد يرى أن المحسود غير أهل لما

آتاه الله، وأن غيره أولى منه، ومنها أن الحاسد منكر لحكمة

الله في تدبيره، فهو سبحانه يعطي ويمنح لحكمة بالغة، والحاسد ينكر ذلك.

ومن آثار الحسد أنه يورث البغضاء بين الناس؛ لأن الحاسد

يبغض المحسود، وهذا يتنافى مع واجب الأخوة بين

المؤمنين، ومن هنا يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم :

“لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع

بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا”.

ومن أضرار الحسد أنه يحمل الحاسد على محاولة إزالة

النعمة عن المحسود بأي طريق ولو بقتله، ومن أضرار الحسد

أنه يمنع الحاسد من قبول الحق إذا جاء عن طريق المحسود،

ويحمله على الاستمرار في الباطل الذي فيه هلاكه ، ومن

أضراره أنه يحمل الحاسد على الوقوع في الغيبة والنميمة،

فيغتاب المحسود ويسعى فيه بالنميمة، وهما خصلتان

قبيحتان وكبيرتان من كبائر الذنوب ، ومن أضرار الحسد أنه

يذهب بالحسنات والأعمال الصالحة.

ومن أضراره أن الحاسد لا يزال في همّ وقلق وغيظ لما يرى

من تنزل فضل الله على عباده، يقول معاوية: ” ليس من

خصال الشر أعدل من الحسد، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى

المحسود “. وقال علي رضي الله عنه : “ الحاسد مغتاظ على

من لا ذنب له”. وقيل: “الحسود غضبان على القدر”. ويقال:

“ثلاثة لا يهنأ لصاحبها عيش: الحقد، والحسد، وسوء الخلق”.

وقيل لبعضهم: ما بال فلان يبغضك؟ قال: لأنه شقيقي في

النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة، فذكر جميع

دواعي الحسد ، وقال أعرابي: “الحسد داء منصف، يفعل في

الحاسد أكثر من فعله في المحسود”، قاتل الله الحسد ما

أعدله، بدأ بصاحبه فقتله.

وإن من أعظم أنواع الحسد خطورة ، وأشده نكاية ، أن يحسد

الإنسان جاره أو قريبه ، أو رحمه أو صديقه ، فلربما منعه أو

حرمه من طريق يعبر خلاله ويصل به إلى غايته ، فكل ذلك

من الحسد المذموم ، والفكر المسموم ، الذي نهى عنه الشارع

الحكيم ، ولقد دخل رجل الجنة في غصن شجرة أزالها من

طريق الناس ، ودخلت زانية الجنة عندما سقت كلباً يلهث من

العطش ، فكيف بمن يسقي مسلماً من مائه ، ويهب للناس

طريقاً في أرض الله التي وهبها إياه ، لهو أعظم أجراً ، وأكثر

فضلاً ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، ولن يبقى للإنسان

إلا عمله الصالح ، وسيرته الحسنة .

فأين أنتم عن هذه الأحاديث الصحاح ، أم أنكم ضمنتم الجنة

، وأمنتم من النار ، سبحان الله ! أما تخافون الله ، وتخشون

عذابه ، وتحذرون عقابه ، أما تذكرتم القبر وظلمته ، والصراط

وزلته ، ويوم القيامة وكربته ، فاجعلوا لكم نوراً تستضيئون به

في القبور ، ويوم البعث والنشور ، ووالله لن يكون لكم ذلك

، حتى تطهروا قلوبكم من رجزها ، وأفئدتكم من أمراضها .

فتصدقوا بأموالكم للفقراء والأيتام ، تفقدوا الأرامل

والمساكين ، اطلبوا ما عند الله فهو باق ، واتركوا الدنيا فهي

زائلة ، وسعوا على إخوانكم وجيرانكم ، يسروا ولا تعسروا ،

بشروا ولا تنفروا ، طهروا قلوبكم من الغل والحقد ، وكونوا

عباد الله إخواناً ، فمتى نعود إلى الله ؟ ومتى نحكم شرع الله

؟ لماذا لا تصقل النفوس ، وتبيض القلوب ؟ لماذا لا ننزع

البغضاء ، ونزيل العداء ، ونرضى بالمحبة والإخاء .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى