ألأصل فى الحياة الدنيا والحياة الثانيه
ألأصل فى الحياة الدنيا والحياة الثانيه
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
نعيش فى الحياة الأولى وهى الحياة الدنيا للعمل فقط وأن نتزود من العمل الصالح وأن
نتقرب الى الله عز وجل بالأعمال الصالحه ويجب علينا أن نغتنم هذه الحياة التى نعيش
فيها ولا تعود مرة أخرى حيث تنقسم الحياة إلى ثلاثة أقسام وهى الحياة الدنيا، وهي
في عالم الشهادة الذي نعيش فيه، وحياة البرزخ، والحياة الآخرة، وهما في عالم الغيب
الذي لا نراه، والذي أنبأنا به النبى الكريم صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنه الشريفه .
والأصل في الحياة الدنيا الجسد، والروح تبع له والأصل في حياة البرزخ الروح، والجسد
تبع لها ولذلك ينتهي الجسد في حياة البرزخ وتبقى الروح والحياة الآخرة هي ما بعد
البعث وهي أتم أنواع الحياة، فهي حياة كاملة على مستوى الروح، وعلى مستوى
الجسد أيضا، يقول الله عز وجل “وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ
الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” .. سورة العنكبوت ومعنى فهي الحيوان أي: هي الحياة الكاملة التي لا موت فيها.
ومعنى كلمة البرزخ هو الحاجز بين الشيئين بحيث يمنع من اختلاطهما، يقول عز وجل ”
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا ” سورة الفرقان .. جعل بينهما حاجزا.
ويقول عز وجل في أصل البرزخ: ” حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي
أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ”..
فهناك حاجز بينهم وبين الآخرة، إنها حياة أهل القبور، حياة ما بعد الموت، حياة البرزخ
مرحلة طويلة بين الدنيا والآخرة، تستقر فيها أرواح الموتى، وهي عالم روحاني لا يقاس
ما فيه على عالم الدنيا المادي، فلا تحكمه قوانين المكان والزمان والمادة؛ بل هو عالم آخر له أحواله وأسراره التي نجهلها أو نجهل معظمها.
لكن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم جلى لنا بعض أخبار ذلك العالم المجهول
وأحواله، فعلينا الإيمان بذلك، والتسليم التام؛ ولهذا نسأل: كيف تبدأ الحياة البرزخية؟.
ويجب أن نتذكر قدرة ملَك الموت، فأجَل الإنسان إذا جاء لم يمنع ملكَ الموت منه شيءٌ،
لا أمواله ولا سلطانه ولا جنده ولا حشمه، وتتركه الملائكة الحفَظة الذين كانوا يحفظونه
في حياته بأمر الله، (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ) أي:
يحفظونه بأمر الله فتتركه معقباته أيضا بأمر الله، وتخلي بينه وبين ملك الموت ليقبض
روحه؛ قال عز وجل (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ) سورة الأنعام .
قال ابن عباس رضي الله عنهما “لملك الموت أعوان من الملائكة يُخرجون الروح من
الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم، قال سبحانه (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) سورة السجدة .
فالروح الآن قد بلغت الحلقوم؛ استعدادا لمغادرة الجسد، وقد يكون الناس جلوسا حول
هذا المحتضر إذا بلغت روحه الحلقوم، فيرى ما لا يرون، يرى الملائكة قادمة تقبض روحه
والناس حوله لا يرونهم، فروح الملك تقبض من الأسفل من أصابع الرجلين إلى الأعلى،
فإذا وصلت الروح الحلقوم غرغر المحتضر، وشخص بصره واتجه إلى فوق.
ولذلك؛ لما أغمض النبي صلى الله عليه وسلم أبا سلمة بعد أن مات وشخص ببصره
قال: “إن الروح إذا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَر”، قال عز وجل (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ
تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ) أى نحن أقرب إليه منكم بملائكتنا من أعوان ملك الموت ولكن لا تبصرونهم.
وهنا تبدأ حياته البرزخية، أولا: بطريقة خروج روحه، فيكون خروج الروح سهلا أو صعبا
بحسب عمل الإنسان فخروج روح الرجل الصالح، قال النبى صلى الله عليه وسلم “فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فِيِّ السِّقَاءِ”، أي: من فم الوعاء.
أما الرجل الفاجر فقال عن خروج روحه: “فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السَّفُّودُ
مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ”، والسفود: عود من حديد ذو شعب معقفة يُشوى فيه اللحم، وفي ذلك إشارة لمشقة خروج روحه.
أو قيل إنها “كشجرة شوك أُدْخِلَتْ في جوف ابن آدم! فأخذت كل شوكة بعِرْق منه، ثم جذبها رجل شديد القُوَى فقطع منها ما قطع وأبقى ما أبقى”
ولقد جاء في القرآن بوضوح قوله -تعالى-: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) سورة الأنعام.
والملائكة باسطو أيديهم، قال ابن كثير: “أي: بالضرب لهم حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم”.
ولهذا يقولون لهم: (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ)؛ وذلك أن الكافر إذا احتضر بشّرته الملائكة بالعذاب والنَّكال، والأغلال والسلاسل، والجحيم والحميم، وغضب الرحمن الرحيم، فتتفرق روحه في جسده، وتعصي وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم.
فروح الظالم تمتنع من الخروج برعبها وخوفها من عذاب الله، فتنتزع منه بقوة؛ أما روح
المؤمن فتنشط بسهولة ودون ممانعة لشوقها إلى ربها والحاصل أن روح الرجل الصالح
تنساب بهدوء، وهذا التخفيف على المؤمن عند خروج الروح لا ينافي أنه قد يشدد عليه
عند الاحتضار أو بطريقة الموت نفسها أحيانا، فإن الأغلب خفة الاحتضار على المؤمن وشدته على الكافر عقوبة له.
أما الأنبياء فإنما يشدد عليهم في السكرات حتى يزاد لهم في الأجر؛ وقد جاء في صحيح
الجامع من حديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنا معشرَ الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر”.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد ولد آدم أجمعين، كان يقول عند موته: “لا إله إلا الله! إن للموت لسكَرات” صح ذلك في البخاري.
ففي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم “إن العبد
إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم” وقال أهل العلم: إن
الإنسان في قبره تُعاد له روحه، وتحصل مساءلة من الملكين، وإنه يسمع نعال الذين
قبروه إذا انصرفوا، وهذا لا يدل على أن المقبور يعلم كل ما يجري خارج القبر؛ لا! ولا أن
أصحاب القبور يسمعون كل شيء؛ لا! بل نثبت ما ثبت، ونسكت عمّا لم يثبت، وقد ثبت
سماع قرع النعال في الحديث، أما غير ذلك من الأمور الأخرى فإنه لا يتثبت ولا ينفى.
واعلموا أن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم، وأنكم عند انتقالكم من الدنيا لا بد أن
يمتحنكم ويسألكم ويجازيكم، فمن كان في الدنيا ثابتاً على الصراط المستقيم ثبته الله
عند مماته وفي قبره وبُشِّر بالفوز والنعيم، ومن كان في هذه أعمى معرضاً عن الله وعن طاعة الله فلا بد أن يلاقي ما قدمت يداه.
أما والله لو نُشر لنا أهل القبور لحدثونا بما وصلوا إليه من عظائم الأمور وقالوا: قد وجدنا
ما وعدنا الله ورسوله حقاً ولم نفقد من أعمالنا مثقال ذرة من خير أو شر، فأصبحنا
مرتهنين صدقاً، أمّا طائعنُا فقد اغتبط بعمله ولقي الفوز والرَّوح والريحان، وأما عاصينا فقد
باء بالخيبة والحسرة والهوان، يتمنون الرجوع إلى الدنيا ليتوبوا، ويودون أن لو مُكِّنوا
ليعملوا صالحاً وينيبوا، ونحن إلى ما صاروا إليه صائرون، فلنتب إلى ربنا ما دمنا في زمن الإمهال، ولنتقرب إلى ربنا بصالح الأعمال.