بقلمى / خالد البليسي
إن اليسر في الزواج و السعادة مقترنان، والعسر في الزواج و الشقاء مقترنان أيضاً!
وهاهي قصة سعيد بن المسيب مع تلميذه أبو وداعة
قصةٌ مثيرةٌ تكاد لا تصدق
حدثت في أواخر القرن الأول الهجري، وهو عصر التابعين.
توضح لنا كيف كان حال الأولين من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وكيف فهموا الزواج..
هذه القصة هي محور هذه المقالة، ولها معانٍ وأبعاد كثيرة…
وهذه القصة الرائعة التي حدثت في القرون الخيِّرة من سلف هذه الأمة، أقدمها هدية إلى كل أب يحب ابنته ويسعى لخيرها وإسعادها.
أولاً أسألك أيها القارئ الكريم:
مَن هذا الذي يمتنع على أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، ويستكبر عن المثول بين يديه وحضور مجلسه، وقد دانت له الدنيا، وخضعت لهيبته ملوك الروم ؟!
بل من ذاك الذي خطب أمير المؤمنين ابنته لابنه الوليد، فأبى أن يزوجها منه.
أبى أن يزوجها من الوليد بن عبد الملك ولي عهد المسلمين، وابن أمير المؤمنين الذي بنى الجامع الأموي ! أيًعقَل هذا ؟
نعم إنه التابعي الجليل سعيد بن المسيب!
الذي كانت تحت ولايته بنتاً يبدو أنها في أعلى مستوى من الدين و الجمال والحسب، حتى خطبها أمير المؤمنين لولده الوليد.
وهل كان يروم سعيدٌ لابنته زوجاً أسمى من ولي عهد أمير المؤمنين وخليفة المسلمين من بعده ؟!
إذا كان قد ضَنَّ بابنته على ولي عهد أمير المؤمنين، فهل وجد لها الكفء الذي يليق بها ؟ أم أنه حال دونها ودون الزواج كما يفعل بعض الناس، وتركها قعيدة البيت ؟
الجواب: لا. فقد تزوجتْ أبو وداعة!.
ومن هو أبو وداعة هذا؟!
إنه كثير بن المطلب بن أبي وداعة، أبو سعيد القرشي المكي، التلميذ الفقير الأرمل في حلقة العلم عند التابعي الجليل سعيد بن المسيب.
ولندع لجار أبي وداعة البيت بالبيت يروي لنا هذه القصةٌ الطريفة كما رواها له أبو وداعة بنفسه…
قال الرجل: حدثني أبو وداعة قال: كنت كما تعلم ألازم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم طلباً للعلم، وكنتُ أداوم على حلقة سعيد بن المسيب، وأزاحم الناس عليها بالمناكب، فتغيَّبتُ عن حلقة الشيخ أياماً، فتفقدني، وظنَّ أن بي مرضاً أو عرض لي عارض.
ـ فسأل عني من حوله فلم يجد عند أحدٍ منهم خبراً، فلما عدتُ إليه بعد أيامٍ حيَّاني، وقال: أين كنت يا أبا وداعة ؟
ـ قلت : واللهِ يا سيدي توفيتْ زوجتي فاشتغلتُ بأمرها.
ـ قال : هلا أخبرتنا يا أبا وداعة فنواسيَك، ونشهدَ جنازتها معك، ونعينَك على ما أنت فيه ؟
ـ قلت : جزاك الله خيراً، وهممتُ أن أقوم فاسْتَبْقَانِي، وقال لي: اجلس ، فجلستُ حتى انصرف جميع مَن في المجلس، ثم قال لي: أما فكّرتَ في استحداث زوجةٍ لك يا أبا وداعة؟
ـ قلت : يرحمك الله ، ومَن يزوِّجني ابنتَه ، وأنا شابٌ نشأ يتيماً ، وعاش فقيراً ، فأنا لا أملك غيرَ درهمين ، أو ثلاث
نعم .. الزواج أبسط من هذا!
زَوّجتُك بنتي ! زَوّجتُك أختي ! ما أجمل هذه العبارة! وما أغربها عن قاموس مجتمعنا!
يقول الدكتور محمد راتب النابلسي في أحد محاضراته: (( لماذا يهتم الأب الذي لديه أبناء من الذكور والإناث بتزويج أولاده الذكور فقط؟
فتجد الأب يسعى لتأمين بيت لأولاده الذكور وعمل، وتجد كل ثروته مسخرة لهم. أما البنات ينتظرن ذاك الخاطب الكفء، ومتى يأتي ذلك؟! لا يهم الأب..
أيها الأب الفاضل:
لمَ لم تفكر بأن تؤسس لهذه البنت الوديعة ، المخلصة ، الوفية التي تتولى أمرها بيتًا، كما أسست بيتًا لأخيها ؟! وتختار لها شابًا مؤمنًا صالحًا يكون مُعينًا على زواجها،كما تبحث لأخيها عن عروساً ؟؟
هذا ابنك، وهذه ابنتك،
ابنك أسست له بيتًا وعملاً ، فلو أسست لها بيتًا وتزفُّها لأحسن خاطب لكان هذا هو العدل.
ابحث أيها الأب الفاضل عما يصلح لابنتك في آخرتها، ولا تعبأ بالدنيا ، فإنها تأتي وهي راغمة.
إنما يستحق دخول الجنة إنسانٌ زوَّج ابنته من رجل يحفظ لها دينها..
كل إنسان واعٍ عنده بنت عليه أن يقتدي بهذا التابعي الجليل، فإمّا أن يدخلها إلى الجنة، وإمّا أن يفتنَها – لا أقول إلى النار- بل يفتنها.
واللهِ قال لي شخص كلمة دمعت لها عيناي:
وقفت بنتٌ على سرير أبيها وهو في لحظات النزاع
– أنا لا أقرها على قولها ، ولا أوافق على عملها ، ولكن هذا ما حدث –
قالت لأبيها : حرَمك اللهُ الجنة كما حرمتَني نعمة الأولاد
كلما جاء خاطب رفضَه ، ووسمَه بصفات لا تليق ، هذا فقير، وهذا ليس وسيما ، فبقيت بلا زواج قالت له : حرمك الله الجنة كما حرمتني نعمة الأولاد!!!.
أيها الأب الكريم:
إذا كانت لديك بنتاً وأحسنت تربيتها ودينها، وزوَّجتها من رجلٍ مؤمنٍ، فكأنما أعتقت نفسك من النار. لأن الزوج أحياناً لا يتابع رسالة الوالد، فقد يربي الأب ابنته تلك التربية الفاضلة، فيأتي الزوج ويصرفها إلى اتجاهٍ آخر لا يرضاه الأب. والأب الذي لم يحسن اختيار الزوج، يساهم في فتنة ابنته)). انتهى كلام الدكتور راتب النابلسي.
* ثم أني أتوجه إليك أيها الشاب ..
فالرسول صلى الله عليه وسلم يرشدك إلى ذات الدين
أيها الشاب المسلم الحبيب: حينما تبحث عن شريكة حياة يجب أن تضع في بالك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: (( تنكح المرأة لأربع لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين، تربت يداك )) متفق عليه.
ولكن: كيف نفهم الظفر بذات الدين؟!
ذات الدين تلك، هل هي ذات الحجاب أم ذات الصلاة أم ذات حفظٍ للقرآن؟!
أنا أفهمها أنها صاحبة مفهوم ديني عن الحياة. بمعنى أنها تفهم الحياة وعلاقاتها مع الرب وعلاقتها مع ذاتها وعلاقاتها مع الناس كما علمها الشارع الحنيف و رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .