أثيوبيا تتمسك بفرض الأمر الواقع وملء سد النهضة

تحذيرات متتالية من قبل السودان ومصر من مخاطر سد النهضة، تقابلها إثيوبيا بمزيد من الإصرار على الاستمرار في ملء السد كما هو مخطط له، فيما يدعو الاتحاد الأفريقي إلى حلحلة الأزمة في ظل تعثر المفاوضات.
وكانت مصر والسودان وإثيوبيا، قد خاضت جولة أخيرة من المفاوضات فى الثالث من يناير الماضي تحت رعاية الاتحاد الإفريقي، لكن أخفقت الإجتماعات، فى تحقيق أى تقدم بين الدولة الثلاث، بسبب خلافات حول كيفية استئناف المفاوضات والجوانب الإجرائية ذات الصلة بإدارة العملية التفاوضية.
التجاهل الإثيوبي
وبينما أعلنت كل من مصر والسودان رفضهما لاتخاذ الجانب الإثيوبي أي خطوة في استكمال ملء سد النهضة قبل التوصل لاتفاق ملزم ويرضي الدول الثلاث، تواصل إثيوبيا تعنتها والتأكيد على الملء الثاني للسد في موعده المخطط له في يوليو المقبل.
وأعلن وزير الري والمياه والطاقة الإثيوبي سيليشي بيكيلي، أمس، أنه سيتم بناء سد النهضة كما هو مخطط له، مؤكدا أن حالة البناء جارية على قدم وساق، وأن دعم الإثيوبيين في الداخل والخارج للسد في أفضل حالاته، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الإثيوبية.
وأكد الوزير الإثيوبي، في تغريدة له عبر تويتر يوم السبت الماضي، استمرار مراحل بناء سد النهضة كما هو مقرر لها، متابعا: “تم عقد اجتماع تنسيقي للمقاولين والاستشاريين ومجلس إدارة سد النهضة في موقع بناء السد.. التقدم في بناء السد مستمر كما هو مقرر.. والدعم الإثيوبي في الداخل والخارج وصل ذروته”.
وسبق أن أعلن الوزير الإثيوبي أوائل شهر يناير 2021، الانتهاء من بناء 78% من سد النهضة، وذكر فى تصريح له الخميس الماضي أن السودان تسبب في تعثر مفاوضات سد النهضة، وانسحب 7 مرات خلال 7 أشهر، مضيفا: “لم نرفض مقترحات خبراء الاتحاد الإفريقي، ومصر والسودان انسحبتا بعد التوافق”.
في المقابل، أكد السفير سامح شكري، وزير الخارجية المصري، أن إبرام اتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث في ملف سد النهضة هو أمر ضروري؛ مشيرا إلى أن إثيوبيا للأسف تتصرف تصرفات أحادية وتتعنت في ملف سد النهضة.
وتابع شكري، أمام البرلمان المصري الأسبوع الماضي: نحن لن نقبل أن ننجرف لإطالة أمد المفاوضات والمساعي لفرض الهيمنة على النهر أو فرض سياسة الأمر الواقع، ونعمل في كل المجالات والاتجاهات للحفاظ على حقوق مصر التاريخية في المياه ونتعاون مع الجميع”.
تهديد نصف سكان السودان
وفي الوقت الذي تواصل فيه إثيوبيا العمل في بناء سد النهضة، تواصل السودان تحذيراتها من مخاطر السد على سكانها، فمؤخرا صرح وزير الري السوداني ياسر عباس بأن سلامة نصف سكان بلاده تعتمد على اتفاق آمن لملء سد النهضة الإثيوبي.
وأكد وزير الري السوداني، خلال لقائه رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي بالخرطوم روبرت فان دن دوول، تمسك بلاده بضرورة الاتفاق للتمكن من تبادل البيانات مع خزان الروصيرص لضمان التشغيل الآمن للخزان، وبالتالي تأمين سلامة نصف سكان السودان الذين يقطنون على ضفاف النيل الأزرق.
وبحسب وزير الري السوداني، فإن هناك تهديدا مباشرا لسد النهضة الإثيوبي على خزان الروصيرص الذي تبلغ سعته التخزينية أقل من 10% من سعة سد النهضة، إذا تم الملء الثاني لسد النهضة في يوليو المقبل دون اتفاق أو تبادل يومي للبيانات مع السودان”.
ومن جانبه أعلن روبرت فان دوول، عن زيارة مرتقبة لمفوض الاتحاد الأوروبي السامي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية، جوزيب بوريل، للسودان خلال الأيام المقبلة.
تحريك المفاوضات
على الجانب المصري عقدت السفارة المصرية فى واشنطن، أمس الاثنين، جلسة افتراضية موسعة لمساعدي أعضاء الكونجرس الأمريكي من مجلسي النواب والشيوخ حول سد النهضة.
واستعرض السفير معتز زهران سفير مصر بواشنطن، الموقف المصرى من مفاوضات سد النهضة والتأثير السلبي له على الأمن المائى لكل من مصر والسودان، مشيرا إلى جهود مصر الحثيثة للتوصل لاتفاق شامل حول ملء وتشغيل السد.
ونوه السفير المصري إلى التداعيات السلبية للسد على مصر فى ظل افتقاد الجانب الإثيوبي للرغبة السياسية، مؤكدا على ضرورة التوصل لاتفاق ملزم قانوناً بين الأطراف المعنية وعدم اتخاذ أي طرف إجراءات أحادية.
أوضح زهران أن مصر ليست ضد حق إثيوبيا في التنمية، ولكن شريطة ألا تؤثر تطلعاتها التنموية على المصالح المصرية وأمنها المائي.
فيما دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فقي، إلى استمرار التنسيق لحلحلة أزمة سد النهضة الإثيوبي، والوصول إلى اتفاق عادل ومتوازن بشأن هذه القضية الحيوية.
ومن جانبه أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على ثوابت موقف مصر من حتمية بلورة اتفاق قانوني ملزم وشامل بين كافة الأطراف المعنية، يتناول بالأساس الشواغل المصرية، خاصة قواعد ملء وتشغيل السد، مشددا على رفضه أي إجراء يمس بحقوق مصر في مياه النيل.
الخيارات المصرية
وأمام التعنت الأثيوبي رأى الدكتور عباس شراقي، خبير الموارد المائية، أن مصر أصبحت أمام خياران في أزمة سد النهضة، الأول مواصلة المفاوضات تحت إشراف الاتحاد الأفريقي، والثاني اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي.
وأشار شراقي، خلال مداخلة هاتفية مع فضائية “الحدث اليوم”، إلى أن الملء الثاني لسد النهضة المتوقع أن يحدث في شهر يونيو يصل لـ13 مليار متر مكعب، وسيكون فارق كبير في فرض سياسة الأمر الواقع.
وأوضح شراقي أن مصر والسودان يرفضان الملء الثاني لسد النهضة قبل التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث، لافتا إلى أن إثيوبيا قامت بتخزين 5 مليار متر مكعب من المياه في سد النهضة دون موافقة مصر، ولم تصعد مصر ضد أديس أبابا بسبب تدخل الاتحاد الإفريقي.
ومن جانبه رأى محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، أنه قد حان الوقت لردود رسمية مصرية قوية على التصريحات الأثيوبية الهزلية حول سد الأزمة، متسائلا :”هل حان الأوان لتعاون مصرى سودانى حقيقى للحفاظ على حقوقهما المائية والحفاظ على حياة شعبيهما بدلا من التصريحات ذات مظهر الاستقلالية ولو على حساب المصالح الاستراتيجية؟”.
وردا على اتهام مصر بتعطيل المفاوضات قال علام إنها تصريحات مهترئة لا يجب النظر إليها أو نشرها فى وسائل إعلامنا، لعدم أهميتها وما تحتويه من أكاذيب وافتراءات لتغطية الوضع الأثيوبى المهترئ، والأخبار الدولية عن الوضع الصحى الصعب لرئيس وزرائها، والمشاكل الداخلية العنيفة المنتشرة فى أرجائها ومشاكل الحدود المتصاعدة.
وأكد وزير الري الأسبق أنه لا مشكلة لدى مصر والسودان فى ملء السد وتشغيله وبما يعظم من إنتاج الكهرباء لصالح الداخل الأثيوبى وللتصدير، ولكن لا للتفاوض حول شرط الإلزامية القانونية لاتفاقية الملء والتشغيل، أو حول المحاصصة المائية.
وتابع:”غير مسموح تماما بالتشكيك فى الاتفاقيات التاريخية، ومن يتشكك فيها وفى توقيع قيادته عليها عليه اللجوء للقضاء الدولى للفصل فيها”.
أسباب فشل المفاوضات
وعن سبب فشل مفاوضات سد النهضة، قال الخبير المائي عباس شراقي إن الأسباب الحقيقية لفشل مفاوضات الاتحاد الأفريقي، تتمثل الآتي:
1- عدم توفر الإرادة السياسية لدى الطرف الاثيوبى للوصول الى اتفاق ملزم خاص بالملء والتشغيل لسد النهضة.
2- الصراع القبلى الداخلى فى اثيوبيا وحرب الجيش الفيدرالي على قيادة التيجراى.
3- التوتر على الحدود السودانية الاثيوبية نتيجة الاعتداءت المتكررة للمليشيات الاثيوبية مدعمة من الجيش الاثيوبى على شرقى السودان (الفشقة)
4- عدم استطاعة الاتحاد الافريقى على حل القضايا الكبرى الأفريقية لضعف الامكانات المادية والفنية.
5- تحجيم دور المراقبين فى المفاوضات بناء على طلب اثيوبيا بعدم تدخلهم إلا اذا طلب منهم التحدث.
6- كانت المفاوضات قاصرة على وزراء الرى واللجان الفنية، دون وزراء الخارجية إلا فى عدة لقاءات بين الجولات.
7- عدم وجود رؤية موحدة لمصر والسودان فى المفاوضات رغم التقارب فى الفترة الأخيرة بعد فيضانات أغسطس 2020.